أعاد لي خبر قيام الجمعية التعاونية النسائية "حرفة" بعرض أكثر من 300 منتج تراثي مطلع هذا الاسبوع في الرياض بعض التوازن بعد أن كدت أفقده في مقابل خبر الخباز الالماني. فكبير خبازي المانيا كارل بلنتس يعتبر الخبز الالماني جزءا من الهوية الوطنية، وبالتالي يطالب بإدراج انواع الخبز الالماني المختلفة ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي التابع لمنظمة الاممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو". فهذا الخباز سليل أسرة تمتلك مخبزا في منطقة شفانته من ضواحي برلين منذا اكثر من 136 عاما ويخبز اكثر من 26 نوعا من الخبز الالماني. وتأتي مطالبته مع غيره من الخبازين الالمان لتسجيل شيء يحملون الفخر به، ويعزز فرصة ازدهاره ومواجهة الاغذية السريعة الموجهة لاطفال العالم ومنهم اطفال المانيا.. وفي المقابل ما هي هوية خبازنا الوطني المستتر اوالمتستر يا ترى؟ أعتقد اننا نجحنا الى حد ما في جهودنا في الاهتمام باللغة العربية وتعزيز مكانتها في اليونسيكو، بل وكان الامير سلطان بن عبدالعزيز-يرحمه الله- احد ابرز الداعمين والمؤسسين لمركز اللغة العربية ومنها ما امتد الى انشاء برنامج آخر في موسكو وقبلهما كرسي للغة العربية والدراسات في جامعة كاليفورنيا ببيركلي، وبالرغم من هذا النجاح الذي توج مؤخرا ايضا بمركز الملك عبدالله للغة العربية، الا اننا لم نتفق بعد على الهوية اللغوية لأحد انواع خبزنا الذي قد نعتبره وطنيا او مستوطنا فهل هو"تميس"ام "تميز"؟ ومن اين أتى وكيف بدأ؟ في بعض دول الخليج يتم استخدام بعض التسميات مثل "خبز الهولي"في وصفٍ للقادم المستوطن من مناطق مجاورة ويمتهن هذه المهنة والذي ايضا سلب مهنة الخباز الوطني. وعندنا نفس الشيء بعد موت الكثير من انواع الخبز الوطني كالمحمر في الاحساء وانتشار هذا "التميس" ؟ فكيف يمكن توطين هذا المنتج وتسميته؟ قد لا يبدو الموضوع مهماً للكثير منا ولكنه رمز بسيط من رموز الهوية المكانية مثل التي قادت الالمان للمطالبة بحفظ منتجاتهم، وقد لا تكون من الاهتمامات السكانية حتى لا ينفعل احد ويقول في ظل احوال العرب والمسلمين وهذا يتحدث عن التميس"؟ احوال العرب ربما تحتاج الى "تنور" مستورد اكبر من تنور "التميس" عسى ان تنضج بعض طروحات عقلاء دول ربيع او فوضى العرب، فهي ومنذ زمن تقبع في منزلة "نص استواء" غذائياً. ولكن لو اردنا ان نسجل شيئاً من تراثنا الغذائي ضمن هذا البرنامج الاممي للتسجيل غير المادي كما فعلت الارجنتين في تسجيل رقصة التانغو، وفرنسا في تسجيل فن الطهي، وايران في صناعة السجاد فماذا سيكون؟ سنختلف قليلا وسنتفق كثيرا على اننا فقدنا الكثير من هويتنا الغذائية بسبب مزاحمة الاغذية المستوردة من كل مكان على بطون اولادنا. بل إن الادهى والامرّ يتمثل في بروز افراد من الجيل الحالي بدأ يعزف عن الاطباق التقليدية وحتى التمور، فما العمل حتى نعيده الى تذوق الغذاء الوطني على الاقل كسائح؟ اعتقد ان جمعية "حرفة" وغيرها من عناصر التشجيع للاسر المنتجة سواء من هيئة السياحة او جمعية النهضة او المؤسسات التنموية حقق الخطوة الاولى من المعادلة. ولكن لكي تكتمل المعادلة بنجاح يجب ان تجد اطباق الاكل الوطني طريقها الى بوفيهات الجامعات السعودية بدون استثناء وتشجيع جمعية حرفة على هذا الاستثمار والدعم للاسر المنتجة في كل منطقة. وان تتحول اتفاقية الجمعية مع جامعة الاميرة نورة بنت عبدالرحمن الى برنامج يجلب هذه الاسر ومنتجاتها الى طالبات الجامعة بشكل يومي. فالجامعات حول العالم تقدم الاكل الوطني يوميا وبشكل لافت للنظر وبامكاننا التعرف على ذلك من طلابنا حول العالم وعلى بداية تعرفهم على الطعام الوطني في تلك البلاد سيكون من خلال كافتيريا الجامعة مثل ما تعرفت لاول مرة على "الميت لوف" الاميركي في كافتيريا جامعة سان فرانسيسكو. سأختم موضوع هوية خبازنا بقصة حصلت لي مع سائق تاكسي في مصر. يقول السائق المصري الذي عاش بيننا فترة طويلة ويحمل ذكريات طيبة بعد ان اضطر للعودة بسبب حاجة اسرته لوجوده معهم، يقول لي بعد ان عرف أنني من المملكة انه بات سجين مشاعر وحنين للمملكة.. الى الكثير من الناس والاشياء في المملكة، وانه وجد في مخبز "تميس" ومطعم "مندي" اكتشفهما مؤخرا في القاهرة ملاذا خفف عليه بعض الشوق الى المملكة كما يقول. فطالما ان منتجات مثل "التميس" و"المندي" و"الرز البخاري" و"فول طاوه" اصبحت تمثلنا ثقافيا لدى الكثير من الوافدين فعلى الاقل نحسنها من حيث تحديد المسمى او الاتفاق عليه لفظا ورسما، وعلى طبيعة الخدمة والمحتوى الغذائي لهذه المنتجات. فنحن فقدنا الشهية للاكل الوطني وبالتالي لن نطالب مثل الخباز الالماني تسجيل اغذيتنا.. أخشى ان نطالب بحذفها من قاموسنا الغذائي تدريجيا وتسجيل الموجود منها في سجل تراثنا غير المادي والاكثر خطرا على الصحة العامة..