في الساعة السادسة من كل مساء يجلس الألمان لتناول وجبة ال «أبند بروت» التي تعني خبز العشاء، ويشكل الخبز قوامها الأساسي، ويرى الالمان أنه يجب اعتبار الخبز واحداً من المقدسات في بلادهم، فالخبز والبطاطا إلى جانب الشراب يمثّلان الروح الألمانية. وبصرف النظر عن القيمة الغذائية للخبز، إلاّ أنه في ألمانيا يلعب دوراً ثقافياً وتاريخياً مهماً. أنواعه الثلاثمئة، يلخصها الخباز، هيل موت الذي يضجّ مخبزه بالزبائن منذ الصباح الباكر، ويقول: «علينا أن نفخر بصناعة الخبز كما نفخر بصناعة السيارات». ويوضح: «ففي أيام الحرب العالمية الثانية، كنّا نأكل خبزاً رديئاً نظراً الى الظروف الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد، على رغم أننا قبل الحرب كنّا نصنع خبزاً عالي الجودة وبخاصة الأسمر منه». ويضيف: «حنين الألمان الذين فروا خارج بلاد، كان جلّه إلى خبز ألمانيا الذي لم يجدوا له مثيلاً في فرنسا أو أميركا». ويؤكد موت، أن «صناعة الخبز»، كما يحب أن يسميها عادت للازدهار في فترة الستينات، حين بدأ الألمان بإنتاج أنواع جديدة من الخبز، وساهم تنافس الخبازين في ما بينهم في تنوع الخبز لجذب أكبر عدد من الزبائن، وكان التنافس يتجسد في محاولتهم استنباط أنواع مميزة وجديدة، فقاموا بإضافة مواد جديدة إلى عجينة الخبز، مثل السمسم والزعتر والزبيب واللوز والبصل، وخلط أنواع من القمح، كما جدّدوا بالأشكال والأحجام، فأصبح لدينا الخبز الكامل وخبز الرجيم والبروشيت. وتم أخيراً إنشاء موقع الكتروني خاص بالخبازين الألمان، يتمكنون من خلاله من تسجيل أنواع الخبز الجديدة التي يخبزونها، فيحصلون على ما يشبه براءة الاختراع. قد يكون بعضها نتيجة خلط أنواع من القمح، أو إضافة أنواع غذائية جديدة إلى العجين، أو توفير درجات حرارة مختلفة، ووصل عدد أنواع الخبز المسجلة لهذه السنة إلى 2600 نوع جديد من الخبز دخلت إلى لائحة الخبز الألماني. وتعتبر ألمانيا من الأوسع شهرة في العالم بصناعة الخبز الأسمر الذي يصنع من القمح الكامل في شكل أساسي، والذي مدحه غوتيه عندما كتب قصة قصيرة عن جنديين فرنسيين قدما إلى ألمانيا أثناء الحرب التي كانت دائرة بين فرنساوألمانيا، ولكنهما لم يتمكنا من أكل الخبز الأسمر، وهما المعتادان على أكل «الباغيت» الفرنسي فقط، المصنّع من الخبز الأبيض، فما كان منهما إلاّ أن فرّا عائدين إلى وطنهما، في إشارة من غوتيه إلى قدرة الخبز وحده على إلحاق الهزيمة بأي بلد آخر. يُصنّع الخبز الأسمر من الطحين المستخرج من الطبقة الخارجية للقمح الغنية بالألياف والتي لا تحتوي على الدهون والسعرات الحرارية، وما زال يتمتع بالشعبية الأوسع في ألمانيا. ويُعزو البعض السبب الرئيسي وراء تنوّع الخبز وتطوره إلى التقسيم الجغرافي والسياسي لألمانيا المكوّنة من فيدراليات مستقلة، إذ تكاد كل مقاطعة تنتج خبزها الخاص بها، وتسعى من خلاله إلى التميّز عن المقاطعات الأخرى، وفي هذا الصدد تعلّق سيدة ألمانية مسنّة، قائلة: «إن الخبز كالأنواع الأخرى من الأطعمة، ففي تورنغن أنواع من الطعام والحلوى والمشروبات، لا تشبه ما هو في ساكسونيا، وكما لكل مقاطعة في ألمانيا، رمزها وعلمها الخاص كذلك لها خبزها الذي يرسم ذائقتها». ويعتبر الخبز مفخرة للشعب الألماني، الذي أقام عام 1955 متحفاً للخبز العالمي يؤرخ للخبز وأنواعه ويضم 14 ألف قطعة خبز. وقد «منح» التنوع في إنتاج الخبز ألمانيا لقب «أرض الخبز»، ودفع منظمة اليونسكو العالمية، إلى السعي إلى وضع الخبز الألماني على أحد اللوائح التراثية الخاصة، فأمام ألمانيا انجاز خطوة واحدة لتدخل اللائحة على ما ذكرت المنظمة. ويلعب الخبز دوراً مهماً في الاقتصاد الألماني، حيث يوجد 14 ألف مخبز صغير، غير المخابز الكبرى التي توزّع الخبز داخل ألمانيا، وخارجها كفرنسا وإيطاليا، وفي حين وصل عدد الموظفين في المخابز إلى 300 ألف موظف عام 2011، بلغ عدد الطلاب الذين يدرّسون حالياً ليصبحوا خبازين، ثلاثين ألف طالب، أما ما حققته المخابز من مبيعات في العام نفسه فبلغ 13 بليون يورو.