كتبت قبل فترة مقالا بعنوان "الحروب الغبية ينتصر فيها المقاول" أكدت فيه أن الحروب تبدأ دائما بحجج مفبركة وأسباب تافهة يختلقها المنتفعون من إشعالها.. واليوم قرأت كتابا للمؤرخ الأمريكي مارك اميرسون يؤكد فيه أن بلاده اختلقت أكثر من 23 حربا - ضمنت الانتصار بها مقدما لأسباب لم يزعج نفسه بتفصيلها.. ففي حين يستعرض هذه الحروب في تسع صفحات فقط، يتوسع في حرب بلاده ضد اليابان التي انتهت بقصف هيروشيما ونجازاكي واحتلال اليابان في أربعينات القرن الماضي.. فهو يجزم مقدما بأنها مؤامرة نفذتها واشنطن ودفع ثمنها الشعبان الياباني والأمريكي - كما يتضح من عنوان الكتاب ذاته: (Pearl Harbor, Mother of All Conspiracies) فمن المعروف أن الطائرات اليابانية هاجمت بيرل هاربر في السابع من ديسمبر1941 محدثة فيه خسائر كبيرة.. وبيرل هاربر ميناء عسكري في جزيرة هاواي يشكل القاعدة الرئيسية للقوات البحرية في المحيط الهادئ. وكان الهجوم مفاجئا أو هكذا يفترض به - بحيث تمكنت 300 مقاتلة يابانية من تدمير معظم الأسطول الصغير هناك.. وبسبب هذه الغارة أعلنت أمريكا الحرب على اليابان - وبالتالي ألمانيا التي تربطها مع اليابان علاقة تحالف عسكري!! غير ان بعض المؤرخين يعتقدون أن بيرل هاربر لم تكن إلا طعما وأن واشنطن قررت استدراج اليابانيين بعد ان عجزت عن استدراج الألمان كذريعة لدخول الحرب. فحين اندلعت الحرب العالمية الثانية وعد روزفلت مواطنيه بعدم الزج بأبنائهم في (حروب أجنبية).. ولكن روزفلت كان واقعا تحت ضغط ثلاثة تيارات رئيسية تخالفه الرأي.. الأول تيار ينادي بمساندة بريطانيا ضد هتلر، والثاني يطالب بإنقاذ اليهود من الاضطهاد النازي، أما الثالث فكان التيار اليميني الذي يخشى اكتساح الاتحاد السوفييتي الشيوعي لكامل أوروبا بعد انهيار هتلر.. أضف لهذا؛ كان التدخل في معارك أوروبا وآسيا يمنح أمريكا فرصة فرض هيمنتها كقوة عالمية ناشئة؛ ففي أوروبا استنزفت الحرب كافة الأطراف وكان دخول امريكا في وقت متأخر كفيل بترجيح الكفة واقتسام الكعكة بلا جهد كبير. أما في آسيا فكانت الأساطيل اليابانية قد استولت على منشوريا وكوريا والفليبين واندونيسيا وماليزيا وكان دحرها يعني فرض النفوذ الأمريكي في تلك الأصقاع!! غير أن مشكلة امريكا كانت في داخلها .. فهي (مثل جميع الدول الديموقراطية) لاتستطيع دخول الحرب بدون تأييد الشعب وقناعة المواطنين بجدواها؛ لهذا السبب تم استدراج اليابانيين لبيرل هاربر كي يصبح من حق الرئيس إعلان الحرب عليها دون الرجوع لأحد (ويستعرض في الكتاب أدلة كثيرة على ذلك)!! .. ويؤكد اميرسون أن نفس السيناريو كررته أمريكا بعد هجمات سبتمبر2001 حيث كانت دوائر الأمن القومي تملك معلومات شبه مؤكدة على قرب وقوع الهجوم في نيويورك.. ولكنها اختارت تجاهل كافة الدلائل لتوفير حجة غزو العراق وأفغانستان وبسط نفوذها في مناطق إستراتيجية عالمية بدعوى "مكافحة الإرهاب"!! .. أنا شخصيا على قناعة بأن السياسيين يقررون أولا شن الحرب، ثم يبحثون ثانيا عن حجة خوضها.. وبانتظار ما يكشفه الزمن عن احتلال العراق وأفغانستان..