على الرغم من الآمال التي أثارها فتح مكتب لطالبان في الدوحة، تنذر التحركات المنفردة التي تقوم بها كل من واشنطنوكابول والمتمردون الافغان بآفاق قاتمة قبل عام ونصف العام من انسحاب قوات حلف شمال الاطلسي من افغانستان. وجرت الوقائع في الثامن عشر من يونيو في العاصمة القطرية. فقد فتح حوالى عشرة من عناصر طالبان وسط مراسم رسمية مكتبا سياسيا يفترض ان يشجع على "تسوية سلمية" لنزاع مستمر اكثر من 12 عاما واصبح اقرب الى المستنقع. وامام كاميرات العالم رفع المتمردون العلم الابيض "لإمارة افغانستان الاسلامية" اسم حكومتهم قبل طردهم من السلطة في 2001. وفي الاعلام، بدت العملية نجاحاً لا جدال فيه وطغى الانطباع بأن طالبان فتحت سفارة بينما تحدثت واشنطن عن "نبأ سار". اما على الارض، فلم يتغير الوضع اذ استمر النزاع الذي يسمم يوميا حياة ثلاثين مليون افغاني ويرسم لهم مستقبلا غامضا. وقال وحيد وجدا وزير الخارجية في عهد حكم طالبان (1996-2001) "في البداية كان هناك أمل بأننا قد نصل الى شىء ما". وأضاف "لكن التطورات الاخيرة حولت هذا الامل إلى خيبة امل"، مشيرا الى الهجوم الذي شنه مقاتلو طالبان الثلاثاء على القصر الرئاسي ومكاتب وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) وأودى بحياة ثلاثة حراس افغان. واشار الباحث في جامعة باريس بانتيون السوربون جيل درونسورو ان "طالبان لم تتعهد يوما بوقف القتال"، متسائلا "ولماذا يقطعون هذا الوعد الآن؟". واضاف "طالما ليس هناك وقف لاطلاق النار، اذا اوقفت القتال والآخر لم يفعل ذلك، فستخسر على الارض حتما". ويرى عدد كبير من المراقبين ان الوقت في مصلحة المتمردين الذين قاوموا خلال حوالى 12 عاما التحالف الدولي بقيادة الاميركيين، اذ ان اعداءهم الغربيين يستعدون للرحيل وهم يعولون على ضعف السلطة الافغانية مما سيجعلهم في وضع افضل. وقال امر الله امان بتشاؤم ان "طالبان تزداد قناعة بان ساعتها جاءت ونجاحها سيكون متناسبا طردا مع الانسحاب الاميركي، وقد تكون محقة في ذلك". وتوقع ان "تتكثف المعارك حتى الانتخابات" الرئاسية المقررة في ابريل 2014. واكد وحيد وجدا ان الوقت لا يخدم مصلحة اعداء طالبان، أي الاميركيين. واضاف ان "طالبان تعتبر ان الاميركيين هم الذين يحتاجون الى التفاوض وليس الحركة". وتأمل واشنطن التي اخفقت في القضاء على المتمردين وما زالت تنشر حوالى ستين الف جندي في افغانستان في حرب تزداد كلفتها ولا تلقى شعبية لدى الرأي العام الاميركي، في التوصل الى حل سياسي على الرغم من ان ذلك قد يغضب حليفها السياسي. وقال دورونسورو ان "العلاقات بين الرئيس كرزاي والغربيين سيئة الى درجة ان الاميركيين يحتاجون الى التفاوض مع محاورين آخرين". واذا كان الاميركيون يتصرفون كما يشاؤون، فان موقف الرئيس الافغاني لا يساعد اطلاقا. وقال احمد رشيد الخبير في النزاع الافغاني ان تعنت حميد كرزاي يضر بأي تقدم في المفاوضات. وكتب رشيد في صحيفة فايننشال تايمز ان كرزاي "آمل دائما في استسلام طالبان او الاعتراف به في نهاية المطاف رئيساً". واضاف ان "المشكلة ان تحقيق هذا الامر ليس قريبا"، متسائلا "لماذا يستسلم مقاتلو طالبان اذا كانوا قد دحروا الاميركيين؟ لماذا ينحنون للشخص الذي يكرهونه الى ابعد حد في افغانستان؟". ورأى الجنرال البريطاني نيك كارتر المسؤول الثاني في القوة الدولية لحلف شمال الاطلسي في افغانستان (ايساف) انه كان على الغرب التفاوض مع طالبان قبل عشرة اعوام عندما كانت حركة طالبان في موقع دفاعي في 2002 بعد الاطاحة بها من الحكم اثر اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وقال لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية ان "مقاتلي طالبان كانوا فارين، وفي تلك المرحلة لو كان لدينا بعد نظر اكبر لكنا لاحظنا ان حلا سياسيا نهائيا (كان ممكنا) من خلال جمع كل الاطراف الافغان على طاولة الحوار ليتباحثوا في مستقبلهم معا". واقر كارتر انه "مع مرور الوقت، بات من السهل التصرف بحكمة اكبر"، معتبرا ان مشاكل افغانستان هي مسائل سياسية "لا يمكن حلها سوى عبر الحوار". وفي غياب ترابط بين هذه الاطراف الرئيسية الثلاثة في النزاع، تبدو الآفاق قاتمة في افغانستان. وقال دورونسورو "لا اعرف احدا لديه سيناريو متفائلا لافغانستان في الاشهر المقبلة". وعبر وحيد وجدا عن تخوفه من "تدهور الوضع" في غياب اتفاق سلام. وقال ان مقاتلي "طالبان سيعززون هجماتهم وسينتقل مزيد من المناطق الريفية الى سلطتهم وستصبح محاور الطرق الرئيسية مناطق خطيرة وستحاصر المدن الكبيرة كما حدث في التسعينات". لكن المحلل في شبكة محللي افغانستان المتمركزة في كابول كيت كلارك قلل من خطورة هذا السيناريو الكارثي. وقال ان "افغانستان تغيرت في السنوات العشرين الاخيرة واعتقد ان طالبان تغالي في تقدير قدراتها وتقلل من شأن قدرات القوات الافغانية".