فرح طالبة تخرجت هذا العام بتقدير متميز من الثانوية العامة (قسم العلوم الطبيعي)، عبر مدرسة ثانوية حكومية بالرياض (الثانوية 122 بنات)، مدرسة متميزة بإدارتها ومعلماتها، ونظام المقررات المطور. تجارب فرح في الحياة مثلها مثل من هن في سنها، لكن فرح طالبة متميزة في مستواها العلمي ونشيطة في تنفيذ ما يطلب منها من بحوث وواجبات ونشاطات مدرسية ولذا فمن الطبيعي أن تؤدي فرح الامتحانات النهائية بهدوء وارتياح كونها متمكنة من المادة العلمية ومتابعة لواجباتها طوال العام الدراسي. لكن عندما كانت فرح في الصف الثاني ثانوي علمي في العام الماضي وفي أحد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني، احتارت فرح في أحد الأسئلة فراحت تسترجع وتتذكر المعلومة فلم تجدها، وعندما يئست من التذكر راحت تركز وتفكر وتستعرض في ذهنها ما تعلمته طوال الفصل الدراسي ثم تعصر تفكيرها كي تجيب على السؤال من فهمها وبصياغة من عندها. في هذه الأثناء سمعت فرح -على غير توقع- الإجابة صريحة من غيرها! ربما يعد كثيرون تلك فرصة سانحة وما على فرح إلا أن تسجل ما سمعت في ورقة الإجابة فهل حدث ذلك؟ لأن فرح ذات خلق وعلم فإنها لم تفعل بل أجهشت في البكاء بسبب سماعها الإجابة، وأبدت اعتراضها وعدت ذلك سبباً حرمها من تسجيل ما كانت تفكر فيه من إجابة بأسلوبها، ثم قامت مباشرة وسلمت ورقتها دون تدوين أي إجابة لذلك السؤال مصرة على فقدان درجته. وغادرت قاعة الاختبار وهي تبكي وسط ذهول كل من كان في القاعة. تلك أيها القارئ الكريم حادثة وقعت في قاعة للامتحانات يوم السبت 12/7/1433ه وليست رواية أو خيالاً. لقد كان الموقف ثواني سريعة لا يحتمل التفكير وعمل حسابات واحتمالات، بل كانت لحظة تجلي الخلق المتأصل والمبادئ العميقة والطباع التي تحكم –مجتمعة- تصرفات الإنسان. إنه ليس موقف تنظير يفشل في المحك، بل إيمان وصدق ونزاهة. شابة صغيرة ضربت مثلاً لزميلاتها وللكبار كيف يكون التطبيق العملي لما نردده من مبادئ ونظريات. إنني متأكد بأننا جميعاً واثقون بأن الله لن يخذل فرحاً وأمثالها بل سيعيش هؤلاء القامات دائماً – إن شاء الله- في ارتياح دون ارتياب، وثقة دون تردد، ونجاح باهر وفرح. هنيئاً لامتنا بفرح، وأمثالها كثر الذين يمتثلون قول ربنا عز وجل " والعصر(1) إن الإنسان لفي خسر(2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر(3)". سورة العصر هنيئاً للأمة بالخير الباقي فيها إلى يوم القيامة كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم. وهنيئاً لهذه البلاد الطيبة، يقودها الملك الصالح خادم الحرمين الشريفين، وتزخر بأبنائها وبناتها أصحاب المبادئ والثبات. وهنيئاً لوالديك يا فرح. هنيئاً لنا جميعاً بفرح وزميلاتها من القدوات الصالحات، فأنتن شامات في جبين الناس، والحمد لله لازال مجتمعنا يزخر بنماذج من أولي الصدق والعفة والكرامة، الساعين إلى الفرح الحقيقي. أسعدك الله يا فرح وزميلاتك في الدارين، وأسأل الله التوفيق والنجاح للجميع.