المتتبع للسينما البريطانية التي تتناول شخصيات رئيسية من الأقليات الباكستانية أو الهندية سيجد أن هناك ثيمة تتكرر فيها، وهي أن الجيل الجديد لهذه الأقليات يعيش أزمة هوية، فهو غير قادر على التفاعل مع قيم مجتمع لا يعرفه تمتد أصوله إليه، ومجتمع يشعر بالانتماء إليه لكنه كثيراً ما يتعرض فيه لأشكال من العنصرية تجعله يشعر بالرفض والتهميش. هناك انغلاق كامل للأقلية الآسيوية على نفسها حيث تبتعد عن المجتمع البريطاني الذي لا يمثل لها سوى مكان لكسب العيش، لكنه مرفوض تماماً بكل قيمه وبكل أساليبه في الحياة. في المقابل، فإن المجتمع البريطاني الذي أعطى -قانوناً- كافة الحقوق للمهاجرين، لا تتوقف فيه الجماعات اليمينية عن إثارة العنصرية بشكل علني وواضح، وما زاد هذا الوضع حدة هو تداعيات الحادي عشر من سبتمبر ووضع هذه الأقليات تحت الملاحظة وسهولة الاتهام بالإرهاب. في مقاله في صحيفة الجارديان، يذكر المخرج الوثائقي والإعلامي البريطاني الباكستاني سارفاز منزور أن الفيلم الأول في السينما البريطانية الذي ظهر فيه بطل الفيلم بريطاني باكستاني هو فيلم "My Beautiful Launderatte" (1985) من كتابة الروائي البريطاني الباكستاني الأصل حنيف قرشي وإخراج ستيفان فريرز. في الفيلم، نرى عمر علي الشاب الذي يعيش في لندن في أوائل الثمانينيات من أم بريطانية وأب باكستاني ويذهب للعمل مع عمه ناصر التاجر الناجح ويقرر على عكس رغبة أبيه أن لا يكمل تعليمه وينخرط في عالم الأعمال مثل عمه. في الفيلم تبدو من ضمن ثيمات كثيرة أخرى تصور الواقع السياسي والاجتماعي لحقبة تاتشر؛ مشكلة الحياة المزدوجة التي يعيشها الباكستانيون أمام عوائلهم وعالمهم الآخر السري حيث تخرق فيه كل تلك العادات والتقاليد التي يتشدقون بها كما تبرز بوضوح العنصرية التي يتعرضون لها. في نفس النسق ولكن بحس كوميدي ساخر يبرز فيلم East is East - 1999 الذي يتناول عائلة من أب باكستاني وأم بريطانية يعيشان في مدينة سالفورد البريطانية في السبعينيات. زاهر صاحب محل "الفيش آند شيبس" يريد أن يربي أبناءه السبعة على الطريقة الباكستانية، فالأولاد لابد من أن يتزوجوا من باكستانيات يختارهم هو بناء على علاقاته مع أبائهم لكن أبناؤه يعيشون بعيداً عنه كما البريطانيون تماماً. هناك الكثير من المفارقات الكوميدية التي تتحول إلى دراما بعد أن تتطور الأحداث في صراع بين الأب والأولاد مما يتنهي بالأم لأن تقف مع أبنائها ضد أبيهم. فيلم آخر يتحدث عن نفس الفترة -السبعينيات- هو فيلم Anita and Me - 2002 من كتابة الممثلة البريطانية الهندية الأصل ميرا سايل وإخراج التركي الأصل ميتين حسين. ويحكي الفيلم قصة فتاة مراهقة تحب الكتابة لا تشعر بالإنتماء إلى جو عائلتها وأصدقائهم وتريد أن تكون مثل "أنيتا" بنت الجيران البيضاء الجميلة التي تفعل ما تريد دون قيود، لكنها تصطدم في النهاية بكم العنصرية الذي يعيدها إلى التعايش مع جذورها من جديد. نفس الكاتبة تعاونت مع المخرجة البريطانية الهندية "غوريندر تشادها" لتكتب معها أهم وأجمل أفلامها Bahji on the beach - 1993. يروي الفيلم الأكثر أصالة وسينمائية في كل ما ذكر سابقاً، قصة عدة نساء آسيويات يذهبن في رحلة لمدة يوم، وأثناء الرحلة تتكشف حكاياتهن ويبدو فرق الأجيال واضحاً بين جيل يندب حظه ويحن لبلد الموطن وجيل يريد أن يعيش وينتمي إلى ثقافة البلد الذي ولد فيه ولكنه يصطدم باختلاف العادات والتقاليد التي تجعله حائراً وخائفاً لا يعرف ما يفعل. لنفس المخرجة عدة أعمال عن الجالية الهندية ولكن أنجحها جماهيرياً ونقدياً هو فيلم Bend it like Beckham -2003 الذي يمزج بين الشكل البريطاني والبوليوودي وبين الكوميديا والدراما أيضاً. ويتناول قصة فتاة تحب كرة القدم ولكنها وبحكم تقاليد أهلها الهندية عليها أن تبتعد عن لعب الكرة وتتعلم كل ما يجعلها زوجة مثالية في نظر جاليتها التي تنتمي إليها. أما الأفلام التي تناولت تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر فأهمها على الإطلاق فيلم Yasmin 2004 من إخراج كينيث جلينان وكتبه سيمون بيفوي كاتب فيلم "سلومدوغ مليونير" ويتتبع أخاً وأخته يعيشان مع أبيهما الذي يتمسك بالعادات والتقاليد ويزوج ابنته من باكستاني يستقدمه من باكستان فيما ينخرط أخوها الفاشل مع جماعة إرهابية، يتهم الزوج القادم من باكستان بممارسة الإرهاب. معاملة السلطات الجافة للزوج الجاهل تدفع ببطلة الفيلم والتي أدت دورها أرتشي بنجاب إلى ارتداء الحجاب بعد أن كانت ترتديه أمام والدها وتخلعه بمجرد ابتعادها عن حيها السكني. الفارق بين هذا الفيلم وفيلم آخر عن نفس الخلفية للمخرج البنغالي الأصل مينهاج هدى Everywhere and nowhere (2011) هو أن بطل الفيلم آش يرحل عن عائلته لتحقيق حلمه بأن يكون دي جي. أما آخر الأفلام التي تتناول هذا الموضوع كما الإرهاب هو فيلم المخرجة البريطانية المصرية الأصل سالي الحسينيى My Brother, The devil (2012) ويتحدث عن نفس الصراع الدائر بين العيش على هامش المجتمع الرافض بالانغماس بالعالم السفلي وبين الاتجاه إلى قيم مرفوضة دينياً واجتماعياً لدى العائلة. في كل الأفلام من الثمانينيات حتى الآن يتجلى موضوع حيرة الشخصيات بين الانخراط في المجتمع الذي يتعرضون فيه لكثير من العنصرية وتقاليد العائلات التي ينتمون إليها وتبدو المصالحة بين الاثنين عصية عليهم. ربما حل هذا الجيل يكمن في إثارة ما يعانون منه علّهم يصلون إلى هوية واضحة لا يخسرون فيها أنفسهم ولا عوائلهم. . من فيلم «ياسمين» ميرا سايل من فيلم Bend it like Beckham لقطة من East is East