لا يزال الوجود الإسلامي في الغرب موضع تساؤل ونقاش لا ينقطع حاملا معه تساؤلات حول مستقبل هذا الوجود والآفاق التي يمكن أن يبلغها دون أن يحمل معه إجابات قاطعة.تتوالى الأحداث، ويتجدد السؤال بإلحاح: هل يمكن للإسلام أن يتوافق مع الغرب؟ وهل يمكن للمسلمين أن يكونوا مواطنين غربيين؟ وهل يرغب المسلمون في أن ينغمسوا في قضايا المجتمع الذي يعيشون فيه؟ العولمة بدورها أتت على أشياء كثيرة فغيرتها، جعلت هذه الأسئلة موضوعات عفا عليها الزمن. فهناك أسئلة أكثر ملاءمة للعصر: ما هي التحديات التي تواجه التعددية الثقافية؟ هل المناخ مهيأ لتحقيقها؟ هل المجتمع الغربي قادر على الاعتراف القانوني والسياسي بالأقليات؟.وهل هناك مجال لتطوير مفهوم المواطنة بحيث يتخلص من أبعاده القومية؟ ولماذا لا تزال التفرقة قائمة على أساس العنصر، والجنس، والدين برغم وجود تشريعات تعمل على تقويضها؟ ولماذا يرفض الإنسان الأوروبي المتمدن القبول بالتعددية الثقافية والعرقية؟ تمس هذه التساؤلات بعمق واقع المسلمين في بريطانيا وغيرهم، وتهم إلى حد كبير الدول في سعيها الدءوب نحو مجتمع متماسك، ومترابط، يشعر كل فرد فيه بالانتماء.نحاول من خلال هذه السطور أن نعرض لأفكار الأستاذ نديم مالك للإجابة على هذه الأسئلة. الدين بين ميلان وروما في القرن الرابع الميلادي، عبر أحد البربر من شمال إفريقيا البحر المتوسط ليعيش في ميلان، وبعد فترة تبعته أمه، كانت امرأة مسيحية متدينة، تهتدي بهدي كنيستها، وتصوم أيام السبت. ولكنها فوجئت أن هذا الأمر غير متبع عند المسيحيين في ميلان، وازدادت دهشتها عندما علمت بوجوده عند المسيحيين في روما، فسألت ابنها -القديس أوجستين Augustine فيما بعد- عن ذلك. حمل الولد السؤال إلى معلمه القديس أمبروز Ambrose الذي أشار عليه أن تفعل والدته بفعل الكنيسة في البلد الذي تعيش فيه، فلا تصوم أيام السبت في ميلان، و"عندما تكون في روما تفعل كما يفعل الرومان".قد يبدو الأمر منطقيا في الوهلة الأولى، لقد ترك المهاجرون أرضهم وديارهم ليجدوا ملجأ في أرض أخرى، أليس عليهم إذن أن يقدموا ثمنا لهذا؟ حتى لو كان الثمن تنازلا عن طيب خاطر عما تركوه وراء ظهورهم من معتقدات، وتقاليد، وأعراف. أليس لهذه الأرض التي نزحوا إليها ملاك أو أقوام سبقوهم إليها، وعاشوا عليها بمبادئ وتقاليد تطورت معهم عبر الزمن؟ أليس من حق أصحاب الأرض الأصليين أن تكون أعرافهم وتقاليدهم قانونا يلزم الوافدين الجدد؟ لماذا يجب أن يتغير كل هذا من أجل حفنة من المهاجرين؟.ولكن أين تكمن الحدود؟ إن التاريخ يؤكد أن الأمر لا يسير بهذه الطريقة، ولنضرب على ذلك مثاليين من التاريخ الحديث، الأول: سعي الاستعمار البريطاني في الهند إلى "تهذيب الهمج" –أي الهنود- عن طريق محو كل معالم الثقافة الهندية.. اللغة، والتقاليد، والعادات، وحتى الأسماء لإفساح المجال للثقافة الإنجليزية المتمدنة. لكن من ناحية أخرى، هاجر الهنود إلى إنجلترا في الستينيات بأعداد كبيرة بعد تغيير قانون هجرة شعوب الكومنولث ليصبحوا عمالا في المصانع الإنجليزية، لم يجد هؤلاء الهنود لذة في الطعام الإنجليزي، فبدءوا يعدون لأنفسهم الأطباق الهندية، وبدأت السوق الإنجليزية تستورد ما يحتاجه الطبق الهندي من مكونات.وبمضي الوقت بدأت تدب الحياة الهندية في الشارع الإنجليزي.. في برادفورد.. مانشستر.. ليدز..المحلات تبيع أطعمة "أجنبية غريبة"، الأطفال يمرحون في الشوارع بملابس "أجنبية غريبة"، النساء تتجول في الطرقات يتحدثن لغة "أجنبية غريبة" تحولت بعض البيوتات الصغيرة إلى مساجد تؤدى فيها عبادات "أجنبية غريبة".وبعد عقود لا تحصى، تحولت هذه الأطعمة "الأجنبية الغريبة" إلى واحدة من أكثر البضائع رواجا في إنجلترا، بل أصبحت أطباق الدجاج "الأجنبية الغريبة" الطعام المفضل لدى البريطانيين. لم يفعل البريطانيون في الهند، ولا الهنود في بريطانيا كما يفعل "الرومان"، ولو فعلوا، لما كانت بريطانيا الثرية بتعدد ثقافاتها، ولما كان المجتمع البريطاني المتعدد الأجناس.. لقد سجل التاريخ البريطاني إسهامات هؤلاء "الأجانب الأغراب" في التطور الاقتصادي، والسياسي، والعلمي، والاجتماعي، والعسكري، والسياسي للجزر البريطانية.أين إذن تقبع حدود روما؟ إن المرء داخل الدولة الواحدة قد يتعسر في فهم لهجة الآخرين من المدن الأخرى، بل إن أهل المدن الكبرى مثل لندن، وليفربول يشق عليهم فهم لهجة أبناء بلدتهم في الناحية الأخرى من المدينة. إن حدود روما لم تتضح معالمها بعد، ليكن إذن التوازن العادل بين الاستيعاب من جانب، والتعايش من الجانب الآخر، هو السبيل الأمثل لتحقيق مجتمع متعدد الثقافات يقدر كل من فيه كل ما فيه، وبعبارة أخرى لتكن "المواطنة" بمعناها الواسع هي الأرضية المشتركة التي تجمع فوق ترابها الشتات المتناثر لترسم الحدود الحقيقية لروما كل المواطنين. المواطنة تصنع ولا تولد هل ثمة فرق بين الاعتراف الرسمي بأفراد ما داخل الوطن، ومواطنة هؤلاء الأفراد؟ هل يكفي هذا الاعتراف لمنحهم هذا الإحساس بأنهم جزء أصيل من هذا الوطن، فيعطيهم حقوق المواطنين، ويتحملون بدورهم تبعات المواطنة؟ لنبدأ أولا بالإجابة عن هذا التساؤل: ماذا يعني أن تكون مواطنا؟ في القرن السابع عشر الميلادي أكد الفيلسوف الهولندي سبينوزا Spinoza أن "المواطنين يصنعون، ولا يولدون"، فالمواطنة أعمق بكثير من أن تكون بيانات مسجلة في شهادات الميلاد، بل هي أعمق بكثير من مجرد حقوق، وواجبات، إن المواطنة لا تعرف إلا بالانشغال، والمشاركة في بناء حاضر الوطن ومستقبله، وليس هذا التعريف وليد اليوم، بل هو ما ينطق به التاريخ.ففي عام 395 ق.م أكد ثوسيديدسThucydides المؤرخ اليوناني العظيم أن "الفرد لا يهتم فقط بشئونه الخاصة، بل بشئون الدولة ككل... إننا نؤكد أن الرجل الذي لا يهتم بالسياسة ليس هو الرجل الذي يهتم بعمله الخاص، بل هو رجل لا عمل له على الإطلاق في هذا الوطن".غير أن حقيقة الانشغال، والمشاركة قد تراجعت بوجه عام في الحقبة الرأسمالية التي حلت في عصر ما بعد التصنيع، كما ازداد تراجعها -حسب النظريات الحديثة- في زمن العولمة، بل لعل اللامبالاة بالشأن العام، وبالسياسة تعتبر إحدى سمات الديمقراطية الحديثة، والمتابع لعمليات التصويت في الانتخابات يدرك ذلك جيدا.المشكل إذن لا يتعلق بمسلمي بريطانيا على وجه الخصوص، بل هو خصيصة من خصائص العصر، وإحدى السمات المميزة لعصر العولمة. العنصرية في بريطانيا وبرغم عمومية المشكل، فإن هناك من المعوقات ما يخص المسلمين في بريطانيا، ويمكن إجمال هذه المعوقات فيما يلي: - العنصرية: تعد بريطانيا واحدة من أعظم دول العالم من حيث احتضانها لثقافات متعددة، فالمجتمع البريطاني نسيج تتلون خيوطه، وتتشكل بعناصر مختلفة ذات أصول متباينة؛ ومن ثم كانت العنصرية هي الوجه الحتمي الآخر للعملة.وجدير بالذكر أن العنصرية لا تمارس هناك ضد المسلمين وحدهم، ولكن لأن معظم المسلمين ينتمون لمجموعات عرقية قليلة فهم أحد أبرز ضحايا هذه العنصرية، وفي إطار السعي البريطاني نحو مجتمع متماسك، خضعت هذه الظاهرة للعديد من الدراسات التحليلية التي كانت تؤكد دائما تفشي هذا الداء في الجسد البريطاني. فالعنصرية تعلن عن نفسها على كل المستويات، واتضح من هذه الدراسات أن الباكستانيين، والبنجال من الذكور هم الأكثر معاناة من البطالة، فقد ذكر تقرير سينغ Singh عام 1996 أن حوالي 39% من البنجال، و31% من الباكستانيين بدون عمل، وذلك في مقابل 18% من البيض.كذلك تعاني 26% من النساء البنجال، و23% من الباكستانيين من المشكلة ذاتها، وتعد هذه النسب الأعلى على الإطلاق بالمقارنة بأي مجموعة عرقية أخرى، ومن البديهي أن يكون لهذا الأمر انعكاساته على المشاركة المجتمعية، والسياسية، وهذا ثابت حتى في الدول التي قطعت شوطا في مجابهة التفرقة العنصرية كالولايات المتحدةالأمريكية، فحتى "الستينيات كان الأمريكان السود محرومين من حقوق المواطنة المدنية، والاجتماعية، والسياسية الممنوحة للأمريكان للبيض والمهاجرين الحاصلين على الجنسية الأمريكية، فكان الجدار الحقيقي بين المجتمع، وهؤلاء السود عنصريا في المقام الأول، يدعمه بعد ذلك حقائق اجتماعية، واقتصادية، وسياسية.وفى الثمانينيات حصل السود على حقهم في المساواة، ومع ذلك كانت الاستفادة من هذا الحق قاصرة على الطبقة الوسطى، وبعض أبناء الطبقة العاملة، بينما حرم منها الفقراء".وفي بريطانيا أيضا توجد العديد من التشريعات التي تواجه التفرقة العنصرية، ولكن هذه التشريعات لا تتمتع برصيد ضخم على أرض الواقع، فناقوس التفرقة يكاد يكون صارخا في القطاع العام، والخاص، بل على المستوى التطوعي، فمجلس مدينة برمنجهام، تلك المدينة التي تشكل الأقليات العرقية فيها ما يزيد على 30% من مجموع السكان، هو أحد نماذج العنصرية المؤسسية في بريطانيا، فهذا تقرير سينغ يؤكد مرة ثانية: "إن النتائج التي توصلنا إليها واضحة. إن الأقليات العرقية تشعر بقوة خذلان المؤسسات الموجودة بالمدينة لهم، كما أن قادتهم لا يتعاملون مع مشكلة العنصرية بشكل عملي ومؤثر"(5 )، فإذا كان هذا في حق برمنجهام، ومجلس مدينتها، فأي مستوى إذن وصلت إليه العنصرية في القطاع الخاص. الخوف من الآخر الإسلام واحد من أكثر الديانات انتشارًا، وبالتالي فالمسلمون البريطانيون محط اهتمام إعلامي لا ينقطع، ولكن كثيرا ما يرسم هذا الإعلام المسلمين بصورة مشينة، ويقدمهم بشكل غير لائق، الأمر الذي أدى على نحو واضح لظهور ما يعرف بالإسلاموفوبيا، وما تبعها من تعريض المسلمين للتمييز العنصري، والعنف. وتعتبر الإسلاموفوبيا فرعا عن Xenophobia - الخوف من كل ما هو أجنبي- تلك الظاهرة التي أصبحت في قلب الحدث عندما أصدرت وكالة رنيميد البحثية Runnymede Trust تقريرا بعنوان "الإسلاموفوبيا التحدي الذي يواجهنا جميعا" أوصت فيه بإنشاء لجنة للبحث في ظاهرة الإسلاموفوبيا، ونشرت هذه اللجنة ما توصلت إليه في عام 1997 بقولها: "في السنوات الأخيرة ظهرت كلمة جديدة.. (الإسلاموفوبيا)، وكان ذلك في نهاية الثمانينيات.وكان أول ظهور لها مطبوعا في فبراير 1991 في إحدى الدوريات التي تصدر بالولايات المتحدة، وتتشابه هذه الكلمة مع الخوف من كل ما هو أجنبي Xenophobia، والخوف من كل ما هو أوروبي Europhobia، وتشير إلى الخوف، أو كراهية الإسلام، والمسلمين. وبرغم وجود هذه الظاهرة في الدول، والحضارات الغربية على مدى قرون عدة، فإنها قد تفشت في السنوات العشرين الأخيرة، حتى أصبحت أكثر تطرفا، وأكثر خطورة".ويمضي البحث ليصف ماهية هذه الظاهرة ودرجة تغلغلها في المجتمع البريطاني، ويكشف عن طبيعة التحامل ضد المسلمين، وينظر إلى "داخل" الجاليات المسلمة وطبيعة همومها، ويبحث في التغطية الإعلامية للمسلمين، ويبحث مشكلات العنف الذي يتعرضون له، إلى غير ذلك من أمور تتعلق بهذه الظاهرة. وتخلص هذه الأبحاث إلى نتيجة واحدة مؤداها أن المسلمين بصفة خاصة يتعرضون للتمييز، والإضرار بمصالحهم، إلى درجة تصل إلى حد العنف على أساس ديني.وتبع هذا التقرير العديد من الدراسات تخصص معظمها في عرض الحلول القانونية لظاهرة التمييز الديني، كما شكلت وزارة الداخلية لجانا أسندت إليها بحث هذه الظاهرة، وقدمت هذه اللجان دراستين قيمتين، أولاهما صدرت عن جامعة ديربي تحت عنوان "التمييز العنصري في إنجلترا وويلز"، أما الثانية فكانت في مركز كمبريدج لقانون النشر، وكانت بعنوان "معالجة التمييز العنصري.. استنتاجات عملية لصناع السياسة والمشرعين"، ولم تختلف النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسات كثيرا عن تقرير وكالة رنيميد الذي ذكرناه سلفا. والخلاصة، أن الإسلاموفوبيا ظاهرة موجودة على أرض الواقع، وذات أبعاد خطيرة في المجتمع البريطاني بجميع مستوياته، وتتدرج هذه الظاهرة من الصورة الإعلامية المضللة، والتغطية الإعلامية المنحازة حتى تصل إلى اعتداءات بدنية، وأحداث عنف تمارس ضد هؤلاء المسلمين. التماسك الاجتماعي.. التجربة البريطانية يعتقد كثير من المحللين الاجتماعيين أن الجاليات المختلفة في إنجلترا تحيا بشكل منعزل عن بعضها، ويفصلها جدار يقوم على عدة أسس كاللغة، والدين، والثقافة، والهوية، والتقاليد، والوضع الاقتصادي، والتعليم... إلى غير ذلك.وقد قتلت هذه الظاهرة بحثا على جميع الأصعدة بدءا من غرف المعيشة في بيوتات برمنجهام، وحتى غرف الاجتماعات بالبناية رقم 10 في "دوننج ستريت"، مرورا بأقسام البحث بالجامعات، ووحدات التخطيط الإستراتيجي.فالتماسك الاجتماعي، وإن بدا حلما، فإنه يستحق الكفاح حتى يصير واقعا ملموسا، فالمجموعات، أو الجاليات المختلفة يجب أن تتحد جميعها على إحساس مشترك بالقيم الاجتماعية، والاحترام المتبادل للتعددية الثقافية.ولكن يبدو أن هذا التماسك قد مزقته العديد من الأحداث كتلك التي وقعت في بعض مدن الشمال بإنجلترا في صيف 2001، أو لعل هذه الأحداث كانت نتيجة حتمية لغياب هذا التماسك الاجتماعي الذي يعرف بالتجربة البريطانية.لقد أدت هذه القلاقل التي وقعت بمدينة برادفورد في عيد الفصح، وفي شهر يوليو، ووقعت أيضا في مدينتي برنلي، وأولدهام في صيف 2001 وتورط فيها ما يزيد عن 1500 شخص، إلى إصابة أكثر من 400 ضابط، و65 مدنيا، وقدرت الخسائر بحوالي 12 مليون جنيه إسترليني.ومرة أخرى، أسندت وزارة الداخلية أمر البحث في هذه الأحداث إلى "فريق مراجعة التماسك الاجتماعي" بقيادة تيد كانتل 45، والذي توصل إلى أن "المساواة، والتماسك الاجتماعي لا يمكن أن ينهضا على أساس تأكيد الاختلاف من جانب واحد... ولكن ينبغي أن ينبني التأكيد على الحقوق والواجبات المشتركة... لابد أن يكون هذا التأكيد شكلا من أشكال المواطنة التي لا تتنكر للاختلافات العرقية، وتدعم احترام الأفراد، والجماعات التي ينتمون إليها". المواطنة في زمن العولمة ظهرت العديد من النظريات التي توضح كيفية وضع آليات لتفعيل هذه الاختلافات كعوامل بناء لمجتمع متماسك يقوم على الاعتراف المتحضر، والاحترام المتبادل بالتعددية الثقافية، وتعتبر النظريات التي تقوم على "عالمية المواطنة" والتي تحرر المواطنة من القيود القومية، وتتجاوز بها الحدود المحلية إلى عالم كبير يشكل في جوهره وطنا واحدا هي أحدث هذه النظريات على الإطلاق، وهي النتاج الطبيعي لثورة العولمة التي هدمت الحدود التقليدية للوطن القومي. وتستند فكرة عالمية المواطنة إلى أن الناس أحرار في التنقل من وطن لآخر كمهاجرين، أو بمحض اختيارهم، ومن ثم فإن مواطنتهم لا ينبغي أن تكون حبيسة القومية أو المحلية التي نشئوا فيها، بل تتنقل معهم حيثما ذهبوا، فالوطن هو العالم بأسره، وغرسة المواطنة تصلح لها كل تربته، وكل سكانه، "إن شعوب الأرض قد ولجوا بدرجات متفاوتة في مجتمع عالمي، وتطورت هذه الفكرة بحيث أصبح أي انتهاك للحقوق في أي بقعة في العالم تجد صداها في كل مكان، إن فكرة الحقوق العالمية للمواطنة ليست بالتالي أمرًا متكلفًا، ولكنها التتمة الضرورية للدستور الدولي، والسياسي غير المكتوب، والذي سيصبح بمقتضاها حقا دوليا لجميع بني البشر، فقط في هذه الحالة نستطيع أن نطري أنفسنا بأننا على الطريق نحو السلام الدائم".إن النظريات الحديثة التي تقوم على عالمية المواطنة تبدو كأنها تتفق مع نظرية "الأمة" في الفكر الإسلامي، وهي بالتالي تضع الفلسفة الإسلامية، والفكر السياسي الغربي في سلة واحدة، وتنفي أي دعوى لعدم التوافق بينهما.ويبقى أن الإسلام يعلي من شأن المواطنة، ويضمن لها أن تتحقق بمكوناتها المختلفة من حقوق، وواجبات، وهوية ومشاركة، وتبقى هذه النظريات حول المواطنة بلا شك عونا للمسلمين في الغرب على الانخراط في المجتمع، والقيام بواجبهم نحوه، والتمتع بجميع حقوق المواطنة فيه لا لخلق مجتمع مسلم بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، ولكن لخلق مجتمع فاضل على الأرض، يتعايش فيه الناس دون غضاضة على اختلاف العرق، والأصل، والمعتقد، وليكون هذا الاختلاف منهج حياة، وميثاق وجود، وليس معول هدم، ولا أسوار عزل.. إن النظر للمسألة على هذا النحو هو تفعيل للإسلام في السياق البريطاني من أجل مجتمع إنساني راقٍ.