المشكلة مع أنصاف وأرباع المتعلمين أنهم تلقوا قدرا ما من التعليم واكتفوا به وظنوا أنهم يعرفون كل شيء، عندما تحادثهم أوتسمعهم تجدهم منغلقين على أفكارهم القديمة وكأن الزمن توقف عندهم،، يرددون ما سبق أن قرأوه وتعلموه واعتادوا عليه، لا يلحظون التغير الذي يطرأ من حولهم، وليس من السهل عليهم قبول الأفكار والرؤى الجديدة التي تطرح، ومع انفتاحهم على بعض التقنيات الحديثة إلا أنهم لا يقرأون ولايحاولون استكشاف الجديد في قضايا الفكر والأدب والسياسة وغيرها وحتى في الأمور الحياتية، وأنا أتكلم عن القراءة التي تحفز الذهن وتثري التجارب وتفتح آفاقا جديدة أمام القارئ، ومع علمهم المحدود إلا أنهم يعتبرون تسليمهم بعدم المعرفة ببعض الأمور ضعفا، لذلك يقاومون آراء الآخرين ولا يعطونها قيمة، ولا يبدون الاستعداد للتأمل والتفكير فيها، جل اهتمامهم منصرف إلى الحديث عن أنفسهم وتناقل الأخبار والأحداث العادية والإشاعات التي تصلهم من هنا وهناك، مع القليل من تداول الأفكار الدينية التي لا تعكس وعيا عميقا بالدين. هناك عبارة مترجمة تقول "العقول الكبيرة تناقش الأفكار، والعقول العادية تناقش الأحداث والأشياء، والعقول الصغيرة تتكلم عن الأشخاص الآخرين". هذه العبارة رغم عموميتها فيها الكثير من الحقيقة، ويمكن تفسيرها والبحث فيها من جوانب عدة، فقد يجمع بعض الأشخاص بين هذه الصفات الثلاث ولكن بنسب متفاوتة، ولكن بشكل عام يقع الكثير في حيز النوع الثالث، لأن البحث في الأفكار والقضايا المهمة يتطلب جهدا ومتابعة، وتجردا من الأنانية، وخروجا عن الاهتمامات والمصالح الضيقة، وإحساسا بهموم الغير، وانفتاحا على الثقافات الأخرى. هل العظماء فقط هم من يتحدث في الأمور الجليلة؟ لا أعتقد، ولكن الاهتمام بالفكر وقضايا البشر من بعض الأشخاص العاديين يرفعهم إلى منزلة العظام. هل الحديث عن الأشخاص وشؤونهم يعني أن عقولنا صغيرة؟ المسألة تتوقف على السياق الذي يستدعى فيه الأشخاص، فقد يكون إنجازاتهم، قصصهم الظريفة، أو تجاربهم المفيدة ومواقفهم المميزة، او أخطاؤهم التي يمكن أن نتعلم منها، أو مآسيهم وأحزانهم، أوغير ذلك من الأشياء الي نشترك فيها مع البشر. هل الحديث عن الأحداث الجارية والمستجدات يعني أن عقولنا عادية؟ إذا لم يكن طرحها على مستوى التحليل والمناقشة في الأسباب والخلفيات والتأثيرات من زوايا مختلفة فهذا صحيح، وإذا كان الخوض فيها - وهو الشائع – لايستند إلى الحقائق فهذا تزييف وكذب له نتائجه السيئة، لأن المعلومات البعيدة عن الحقيقة ينتج عنها معتقدات ومفاهيم خاطئة وخطيرة. عندما يفقد الناس الطموح والشوق للبحث والاطلاع تضيق دائرة تفكيرهم وثقافتهم،ويبدأون بالتصرف بطريقة معاكسة، لذلك قيل إن المعرفة القليلة خطر. علينا أن نظل نسعى ونجتهد وراء المعرفة والحقيقة مهما بلغ بنا العمر،لأننا بذلك نعطي معنى وقيمة واتساعا لحياتنا. ألم يقل المتنبي: كل يوم لك احتمال جديد.. ومسير للمجد فيه مقام وإذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجسام