لم تعد السياحة تخص الطبقة المخملية فقط بل اصبحت تشمل طبقات وسطى ودنيا من الباحثين عن التجربة بأقل ما يمكن من الإنفاق وبما يتناسب مع ما وفروه طوال العام من ضرورياتهم. وبذلك العالم أصبح قرية صغيرة نتيجة التقنية ووسائل الاتصال والانتقال، ولم يعد هنالك مجال للتردد والإحجام فها هو العالم يفتح ذراعيه بالود والترحاب فأقبل عليه، وامش في مناكبه تعد إلى دارك غانما سالما منشرح الصدر وليس هذا فحسب بل وفي حقائبك حزمة من المعلومات والمعارف قل أن تجدها في أي مكان! تحرك فالحركة بركة ولا تدع الشاعر العربي يسخر منك قائلا "اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي" ولكن الحياة فيها أكثر من الطعام والكساء والخيارات واسعة ومتعددة بين هنا وهناك وتأكد بأن "من عشق الاسفار لمن يطق عنها صبرا"، فالأمر يتطلب فقط العزم وتحديد الوجهة وبسرعة البرق يحقق لك "الانترنت" كل ما تحلم به ويجعلك مخيرا ومدللا ويلبي رغباتك لأماكن مريحة المصنوعة للسائح خصيصا بين خيارات عدة إما مقاطعة الشمس بسهر الليل بأكمله ونوم النهار أم التنقل والترحال والنوم مع الدجاج والاستيقاظ مع العصافير ثم تطير منذ الصباح الباكر الى المعالم السياحية والمتاحف الاثرية والتجوال بالحافلة المليئة بالسياح. وحتى لا تكون كثري الحرب الجاهل الذي ادعى أنه عاد من سياحته الخارجية ليستعرض عضلاته أمام أصحابه قائلا: باريس أمضينا فيها اسبوعين وجنيف أسبوع ثم "زرقنا" بالباص السياحي إلى لندن وهنا بادره واحد من المندهشين قائلا: ما شاء الله طبعا زرتم كذلك الشانزليزيه فابتسم المدعي قائلا نعم نعم سافرنا إليها وجلسنا فيها اسبوعين كاملين!! ليكتشف اصحابه بعد ذلك بأن تلك الرحلة المزعومة من نسج خياله وأحلامه أم تفاصيل الرحلة الحقيقة هي أنه سافر الى الدمام ولم يجد سكنا فقرر العودة فلم يجد إمكانية حجز طيران إلى الرياض فرجع عبر القطار إلى منزله وعند وصوله بحث عن العوض فوجده في الأجواء العليلة بعيدا عن رطوبة الدمام فعقد عزم السفر إلى أبها البهية فلم يجد حجزا إلا بعد مضي شهر أي بعد انقضاء الإجازة واستمر في البحث عن وجهة أخرى فوجد جدة ولكن أسعارها كانت جدا مرتفعة! وبعد جهد جهيد انفرجت أزمته أخيرا فوجد حجز طيران إلى الباحة فلم تسعه واسرته الدنيا من الفرح، فسافر إلى "الباحة قمة الراحة " ولكن المسكين عند وصوله وبعد جولة طويلة من العناء والبحث لم يصدق خبرا بأن يجد سكنا فأبرم عقد إيجار الشقة لمدة شهر بالكمال والتمام ولكن الأمر الغريب والمثير للدهشة أن السائح الكريم لم يمض في الشقة إلا ثلاثة أيام فقط!! بالرغم أنه قد دفع قيمة الإيجار للمدة كاملة إلا أنه استرجل وقرر العودة إلى الرياض مجددا والاستمتاع بإجازته وعائلته وتحمل آب اللهاب..!! وإذا كان السؤال لماذا فأقول أغلب الظن بأن السبب قد يكون خارجا عن ارادة الرجل الطيب صاحب الشقة تماما. وببساطة العقد شريعة المتعاقدين وعقود الوحدات السكنية في ربوع بلادنا لا ينص على انقطاع الماء أو الكهرباء أو حتى وجود أو تكاثر الحشرات المتطفلة! وقفة: لا تسخطوا وتتحاملوا على سياحتنا المحلية، فعليكم التحلي بالصبر والثبات ومضاعفة المسكنات، بعيدا عن الانفعال الذي قد يؤدي إلى أمراض الضغط والسكر والكولسترول!! أخيرا: للباحثين عن المتعة والرفاهية والاستجمام وتجديد النشاط بل وحتى الباحثين عن فن التعامل ورخص الأسعار وتنظيم رحلة سياحية داخلية لا تنسى..!! نقول لا بد من مراعاة ترديد العبارة التالية: "يا ليل ما أطولك" عشر مرات في الصباح والمساء. رافقتكم السلامة ودمتم مسرورين.