هل منكم من يعرف صالح بن غدير؟ إنه شاعر من أهل الربيعية في القصيم كما يذكر الراوية و الكاتب خالد بن محمد بن ماجد القحطاني في كتابة " منتقى الأخبار من القصص والأشعار" الذي صدر الجزء الأول منه في عام 1414ه ثم تلاه إصدار الجزء الثاني في عام 1433ه وفي الجزء الأول ذكر أبيات لابن غدير يعزي نفسه في النِّجابة بعد استخدام المبرقات في المملكة. كان الرجل نجابا يحمل الرسائل من المجمعة إلى الرياض والعكس ، وكانت وسيلته في الانتقال ذلول سريعة العدو، و أكثر الرسائل عناية منه ما كانت إلى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمة الله رائد الوحدة الوطنية ومنه إلى ولاته في المجمعة وما حولها، وكان الرجل يتلقى لقاء هذه الخدمة مكافآت من الملك والأمراء والأعيان الذين يقوم بخدمتهم البريدية. إلا أن فرحته بهذه المهمة لم تدم طويلا، ذلك أن استخدام المبرقات بين أطراف المملكة يسرت التواصل بين أجزاء البلاد وأصبحت مهنة النجابة كاسدة. غير أن توصيل البرقيات إلى أصحابها كان يتم بواسطة موزعين يتلقون المكافآت ممن تنقل لهم البرقيات أخباراً سارة، وقد زالت الحاجة اليوم إلى البرقيات بعد استخدام الفاكس والبريد الإلكتروني والهاتف .على أية حال، غضب الشاعر حين تم الاستغناء عن خدماته فأنشأ الأبيات التالية: جعل الصواعق تكسر البرقية من غير شر صايب شقرانِ ويعني بشقران الملك عبدالعزيز، وهذا التأدب من الشاعر والاستدراك من خصائص الشعر الشعبي ومن أساليبه. والدعاء بكسر الأعمدة التي ترفع في أماكن المبرقات. والذي يحز في نفس الشاعر حرمانه من ركوب المطية و مشاهدة مجلس الملك الذي يشهد أبوته ولطفه مع رواد مجلسه واستمتاعه بروح المداعبة لأخبار زواره و تبسطه مع ظرفائهم: من ركزته ما اركب على المطية ولانشاهد مجلس السلطانِ كم مرة نادوا لنا بخرجية مع كسوة من غالى الأثمانِ هذا النجاب رجل من عامة الناس ينقل لنا تواضع الملك وكرمه وأدب مجلسه بعيداً عن البروتوكولات التي فرضتها تطورات العصر ومشاغله، والخرجية مكافأة تعطى من الملك لمن يرتاد مجلسه، فلا يلام الرجل على غضبه من البرقية التي حرمته من الخرجية والكسوة ومشاهدة مجلس الملك. لقد كانت هذه المصالح ما يشده إلى المجمعة و بخاصة مدير ماليتها حمد عبدالمحسن التويجري: لولا حمد ما اقعد بها عصرية المجمعة مالي بها عيلانِ من غير تقصير الجماعة فيه ضحوك سن و رفقة الخلانِ وهو هنا يثني على طيب المعشر من أهل المجمعة و زملائه، وفي ذلك دلالة على دماثة خلق الشاعر و ترحيب الناس في المجمعة به، صورة من الحياة الاجتماعية البسيطة الطريفة. ثم يتحول الشاعر إلى وصف ذلوله: نركب على اللي كنَّها الكدرية لا روحت أسبق من الشيهانِ و اليا ركبت فجنِّب الماوية وانحر ربوعي لمة الإخوانِ وياما عطاني بالخفا عثمانِ عشر وزناتٍ قيمة البرية و بهارها قيمة ثلاث اوزانِ أنشد عتيقٍ يوم جابه ليَّه من ابن صليبي راعي الدكانِ و جَمْعة الإخوان من أصدقائه الذين يأنس بهم ، وتعجبهم خصاله، وكم منحوه من الهبات ما يزيد عن مقدار الخرجية (الأجرة) التي لا تغطي حاجته، ويذكر عثمان التويجري الذي يزيد من إكرامه دون علم الآخرين، عشر وزنات من البن وثلاث وزنات من البهار ( الهيل والقرنفل والزعفران) تموينا من دكان ابن صليبي. جِعْل الصواعق تكسر البرقية من غير شر صايب شقرانِ وهكذا يحدد الشاعر محيط علاقته ولا يتردد عن ذكر حاجته، و حزنه على انتهاء علاقته بالنِّجابة. يذكرنا الشاعر بنشأة البريد وإيصاله للأقاليم البعيدة عن العاصمة وإليها، حينما كانت وسائل النقل من الإبل والخيل ترابط في مراكز محددة لاستلام البريد ونقله على وجه السرعة الى مراكز أخرى حتى يبلغ أصحابه، وكانت الرسائل قبل البرقيات ينقلها العدائون من مدينة لأخرى، وخلال الخمسين سنة الماضية ظهرت مبتكرات ألغى بعضها بعضا ولاندري ماذا يخبئ المستقبل.