والشتاء على الأبواب أقول إن من بين ما كنا نستنفع به العباءة الحساوية . وهناك نوع ثقيل جدا من تلك العباءات، وأظنها تأتي من الشام يُقال لها (البيدي) - وإن لم يكن مصدر الكلمة غير عربي فقد يكون جاء من " البيد " أي البراري - ولست متأكدا . لكنها ذات منفعة وتصلح لكل الاستعمالات، قصدي ارتداء وافتراشاً وغطاء . وهي " عملية " . يعني بلغة العصر متعددة الأغراض Multipurpose . وفي أدبنا الشعبي ارتبط البشت بمعونة نقدية والاثنان في أغلب الحالات يأتيان كهبةٍ أو صلة من الغني إلى المحتاج. ومن أدبياتنا الشعبية نقرأ: يا راعي الخير.. راسي شاب أريد لي بشت وخرجيه. وهذا دليل على أن المادتين قلّما جاءتا إلا من محسن إلى معوز. والبشت معروف. والخرجية مبلغ من المال للصرف منه على قدر الحاجة. وإذا قيل إن فلاناً تخرّج المبلغ.. فهذا يعني أنه صرفه على حاجته. والعطيتان كانتا معروفتين في الماضي. والبعض لا يزال يتوقعهما في وقتنا الحالي. وفي الرياض.. عرفت رجلاً يهب بشتاً لكلّ من قام له بخدمة من كُتاب الدوائر. فهو - أي المانح - يتناول ورقة ويقوم ب «تحويل» المستفيد إلى دكّان في الديرة.. والأمر.. بشت.. على اختيار المستفيد. وشدّتني كلمة «الخرجيه» هذه. وكدت أن أصل إلى مصدرها. فقال أحد المعاجم التي تتعاطى لهجات الجزيرة العربية إنها - أي الكلمة - ذات أصل تركي HARCLIK وتعني مصروف الجيب اليومي أو المخصص الذي يعطى لشخص ما. لكنني تذكرتُ كلمة جاءت في التنزيل، في سورة الكهف (فهل نجعل لك خرجاً) ولا أستبعد أن الأتراك أخذوا الكلمة عنا. أقف قليلاً لأقول إن المعيشة في جزيرة العرب تعتمد في جزء كبير منها على الهبات والعطايا في زمن مضى. وأعتقد أن هذا السلوك صاحب بعضنا. لكن ليس بطلب «بشت وخرجيه» بل بأكبر وأنفع.