إذا كان من الدول الاسكندنافية من يتبارى في تقديم الجديد والمختلف والمثير للجدل سينمائياً فهما السويد والدنمارك. وفيما كان الاسم الأشهر والمؤثر عالمياً لعقود هو السويدي إنجمار بيرجمان، فقد عادت الدنمارك مع مدرسة الدوغما الشهيرة بأسماء مثل لارس فون ترير وفينتبرغ إلى الواجهة السينمائية، ولكن مع تألق متصاعد للأول حتى تصريحاته الأخيرة التي أثرت عليه كثيراً فإن الثاني تألق نجمه ثم خبا وبدأ في الصعود من جديد في السنوات الأخيرة. فيلمه الأخير (الصيد-The Hunt) يحكي قصة مدرس روضة وصياد يدعى "لوكاس"، نراه يتصرف منذ اللحظات الأولى بنبل وشهامة لإنقاذ أحد أصدقائه أثناء إحساسه بالبرد من السباحة في البحيرة. يبدو لوكاس مثالياً في كل تصرفاته، بل حتى أن ابنه الذي يعيش مع أمه بعد طلاقها منه، يود أن يكون معه هو بدلاً من أمه. رغم كل هذه الصفات النبيلة التي يتمتع بها لوكاس يحدث له ما ينزع عنه كل احترام أو تقدير. وربما كان هناك قدر من المبالغة في النبل، ولكن المخرج يريد أن يضمن تعاطفنا الكامل معه بعد الحادث الشنيع الذي يتعرض له. لوكاس الذي يعطف على الطفلة "كلارا"، ابنة أقرب أصدقائه إلى قلبه "ثيو"، ويصحبها دائماً إلى البيت، لأنها تظل إلى وقت متأخر في الروضة بسبب انشغال أمها وأبيها، يتهم من قبل "كلارا" ذاتها، ذات الوجه الطفولي البريء، بالقيام بفعل مسيء. كلارا الحانقة على لوكاس لأنه لم يتجاوب معها كما تحب تثرر أمام مدير الروضة بما تترجمه المديره على أنه تحرش. ورغم أن المديرة تؤكد في كلامها أن الفتاة لديها خيال خصب ورغم ذكرها في حوارها أنها لا تود القفز إلى النتائج ولكنها ومن منطلق حرص على أطفال الروضة تقوم بالقفز إلى الاتهامات إلى أقصى حد. ويتعامل الجميع مع الموضوع على أن ما تقوله الطفلة هو الحقيقة "لأن الأطفال لا يكذبون". بل إن ما لم تقله الطفلة قد نما إلى خيال المحققين، فتتصاعد الأمور بعد هذه الحادثة إلى ما هو أسوأ. الفيلم بعيد إلى حد كبير عن مدرسة الدوغما، فاللغة البصرية وطريقة التصوير مختلفة تماماً عن كاميرا الكتف المهزوزة، ولكنه لا يحمل أسلوباً بصرياً خاصاً. المناظر الطبيعية في الفيلم جميلة جداً وكئيبة في ذات الوقت فهي تعكس أجواء أوروبا الشتوية الكئيبة وتترجم حالة بطل الفيلم وشعوره بالكآبة والوحدة رغم أجواء عيد الفصح التي تخلل الأحداث. لا بد من الإشادة بأداء الممثل الرائع مادس ميكيلسن وهو الذي أتحفنا قبل سنوات بدور رائع في فيلم "بعد الزواج". وكان أداؤه المميز سبباً في حصوله على جائزة أفضل تمثيل في مهرجان كان لعام 2012. فيلم "The Hunt" والذي يعني بالإنجليزية الصيد والمطاردة معاً يترك من يشاهده بسؤال يطارده طويلاً، كما طارد بطل فيلمه: كيف يمكن حماية الطفل دون إجحاف بحق من هم حوله والقائمين على رعايته؟. كيف السبيل لإثبات البراءة من تهمة غير حقيقية قد تحولت في ضمير المجتمع إلى وصمة عار على جبين من أدين بها؟. غلاف الفيلم