نعم لقد كنت رجلاً بأُمّةٍ أثقلتك همومها وكنت تعمل مخلصاً ليل نهار لما فيه خير دينك ووطنك وولاة أمرك.. نحسبك كذلك والله حسيبنا وحسيبك ولا نزكي على الله أحداً .. لكن يا شيخنا الغالي صالح بن عبدالرحمن الحصين الناس شهود الله في أرضه ومنهم أخوك كاتب هذه الأسطر الذي أحبّك في الله وكنت لا تعلم لكن الله يعلم.. وإنفاذاً لأمر حبيبي محمد (إذا أحببت أخيك فأخبره) أو كما قال بأبي هو وأمّي فقد أخبرتك بهذه المحبّة التي أرجو أن تكون خالصة لوجهه الكريم حينما كنت تطوف حول الكعبة بعد شروق الشمس مُتأبطاً نعليك، لحقت بك بين الحجر والرُّكن اليماني وسلمت عليك وقلت لك: وربّ هذا البيت أنّني أُحبك في الله واغرورقت عيناي بالدّمع ومضيت مكملاً طوافي. وكان أول لقاء لي بك أيُّها الحبيب في مكتب أُستاذي الشيخ حمد بن صالح العنقري مدير مكتب وزير الزراعة والمياه آن ذاك.. وكنت حينها مستشاراً لسمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن يرحمه الله وزير المالية ومستشاراً غير متفرغ لمعالي وزير الزراعة .. وأتذكّر لك مواقف قمة في التواضع والزّهد في الدنيا ومنها عندما أتيت لوزارة الزّراعة كان الأستاذ حمد العنقري قد جهز لك مكتباً وكلّف أحد الزُّملاء بمنع أي شخص أن يدخل المكتب إلاّ إذا كان الشيخ صالح موجوداً. فجاء أول يوم للمباشرة وطلب الأُستاذ حمد العنقري من أحد الزُّملاء أن يذهب مع الشيخ ليدله على المكتب فأبى الشيخ صالح يرحمه الله أن يذهب مع أحد ويترك عمله، وقال: صف لي الطريق إلى المكتب؛ فذهب وحده وكان لا يلبس المشلح ولا العقال، فلمّا أوشك على دخول المكتب منعه زميلنا وقال: الشيخ صالح مش موجود، فتحاشياً من إحراجه رجع إلى وزارة المالية في تاكسي ولم يطلب من أحدٍ أن يوصله، وعندما جاء معالي وزير الزّراعة سألوا عنه ولم يجدوه فاتصلوا به فقال: تذكّرتُ معاملة مهمّة ورجعت من أجلها وسوف آتيكم الآن. وموقفاً آخر عندما عُيّن وزيراً وكان الوزراءُ ينتقلون في الصيف إلى الطائف وطلب من الأُستاذ حمد العنقري أن يُدبّر له غرفتين في مكتب وزير الزّراعة في الطائف؛ فقال له الأستاذ حمد: يا شيخ.. غرفتين أوثلاث ما تكفي موظفي مكتبك فقال: "ما هنا أحد" أنا والأخ العبدالكريم يقصد مدير مكتبه فكلّ ذلك حرصاً منه رحمه الله على المال العام.. فتم تخصيص ثلاث غرف في الدور الثاني لمكتب وزير الزراعة والمياه بقروى في الطائف. ويروي لي سائقه الأخ مطلق العتيبي أنّه قال له: طال عمرك كلّ الوزراء غير وسياراتهم والنظام يسمح لنا بتغيير السيارة، يقول: فردّ عليّ: ليش نغيرها ما فيها خلاف ولا قد خربت!. رحمك الله يا أبا عبدالله رحمةً واسعةً وأسكنك أعالي الفردوس وجمعك بذريتك ووالديك وجعل محبتي لك خالصةً لوجهه الكريم تجمعني بك على منابر من نور بفضل الله ورحمته وكرمه. هكذا والله هم الرجال العظماء الذين يفخر بهم وطنهم وأُمّتهم ويرفعون شأن الكرسي الذي يصلون إليه ولا يرفعهم ولا يعبهون به إن جاء أو ذهب لا، بل أمثال شيخنا يعمل جاهداً للتّخلُّص منه.