«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأثرت بالفكر السلفي فتخليت عن ولائي للإخوان المسلمين
اعتزلت العراق بعد صدام .. ودموع فيصل ما زالت تبكيني .. د. مجاهد محمد الصواف ل «عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 23 - 07 - 2010

ما زلت أسمع أزيز المرجل في صدر الدكتور مجاهد الصواف أستاذ الشريعة والقانون والمحامي المعروف كلما ناقشت معه قضية إسلامية، أو لامست عن قرب جرحا غائرا في جسد الأمة.. فالرجل الذي شاهد والده يزلزل حكم الشيوعيين في العراق ويخرج هاربا عبر الصحراء إلى سورية قاد بنفسه مظاهرات العمائم الطلابية في جامعة بغداد ضد البعثيين، وشرب من معين الشيخ علي الطنطاوي، ومارس الفكر التنظيمي في جماعة الإخوان المسلمين، ثم أكرمه القدر بالقرب من الملك فيصل في أواخر أيامه ليتعلم من «أكبر جامعة».
التقيته في سنوات انعزاله عن السياسة وتفرغه للمحاماة، فوجدته قارئا للمشهد عن بعد.. اعترف لي بارتباطه الفكري مع الإخوان، ووصف مغامراتهم السياسية بالخطيئة الكبرى، وقال إنه رافض لأي دور إصلاحي في العراق خوفا على تاريخ والده.
فاجأني بهجومه الشرس على المحامين السعوديين ودفاعه عن موقف القضاة في المحاكم، موضحا أن كثرة المعقبين تظل المشكلة الحقيقية التي تعاني منها مهنة المحاماة.
الدكتور الصواف استعاد معي ذاكرة سبعة عقود مضت لم يستطع خلالها أن يخفي دمعته وحنينه لبغداد وأزقتها القديمة، مبتدئا حديثه: ولدت في بغداد بالرغم من أن عائلتي تنحدر من الموصل ومازال لهيب الحرب العالمية الثانية لم ينطفئ بعد، وعشت طفولتي في أجمل أيام العراق في عهد الملك فيصل الثاني الذي أحبه الناس لأنه ابن البطل غازي الذي ثار على الإنجليز، ولا أنسى موجات الفرح التي عمت البلاد يوم تتويجه، وشاء القدر أن تنطبع في ذاكرتي ملامح العلاقة بين الحجاز والعراق من خلال ساقي القهوة الحجازي الذي كان يصنعها للملك يوميا ويسكن بجوارنا في الحي. لكن يبدو أن سنوات الهدوء في العراق غالبا ما تتبعها عقود عاصفة، فقد جاء عبد الكريم قاسم بعد أن استلم الشيوعيون الحكم، فبدأ القتل ولم يعد باستطاعتنا أن نفتح فمنا أو نصلي في المسجد، فكانت ثورة العلماء التي قادها الوالد وأدت إلى هروبه من مجازرهم تجاه الإسلاميين، وما زلت أتذكر موقفه معي عندما توادعنا وأنا في السادسة عشرة من العمر وكنا قادمين من الفلوجة، فذهب هو إلى سورية وعدت أنا إلى بغداد، فقال لي وهو متنكر في الصحراء قبل أن نفترق: ياولدي أنا آسف فقد تركتك مع أم وثمانية أطفال، ولا أملك من الدنيا سوى 1500 دينار (أي 15 ألف ريال سعودي آنذاك)، لكنني أقول لك شيئا إنك ووالدتك وأخواتك أمانة عندما لا تضيع الأمانات، ووقتها كنت مراهقا فلم أفهم هذه الأمانة إلا الآن؛ لأننا لم نحتج أحدا والحمد لله، ونحن خمسة أولاد وست بنات.
• لم تتوقعوا نجاته من الاغتيال بعد أن كان على رأس المطلوبين؟
أول من أذاع خبر وصوله إلى سورية إذاعة لندن، فهاجمته الإذاعة العراقية وأشيع في العراق أنه قتل، فحدثت مظاهرة كبيرة جدا في سورية التي كانت في وحدة مع عبد الناصر في تلك الفترة، فيما كان والدي على خلاف مع عبد الناصر، لكن مع هذا خطب خطبة حركت الجماهير في بغداد لتخرج وتقول: ثوري يابغداد ثوري.. خلي قاسم يلحق نوري، (أي يقتل كنوري السعيد)، وبعدها بقي الوالد نحو تسعة أشهر في دمشق، ثم جاء إلى المملكة.
• ولكن خروجك تأخر كثيرا من بغداد، لماذا؟
خرجت من بغداد بعد تخرجي في الجامعة، لكن بعد أن تعرضت للاعتقال والسجن لأكثر من 45 يوما في فترة تنامي قوة حزب البعث، فقد كنت طالبا في كلية الشريعة وقائدا للحركة الطلابية في الجامعة، فأقام الحزب حفلا خطابيا في رمضان ووزعوا فيه المشروبات الغازية والماء فلم نصبر على تصرفهم وحدثت معركة في جامعة بغداد، فأخذوني كأول مطلوب. ولا أنسى موقف الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري (رحمه الله) الذي كان يدرسنا في الجامعة، فقد أمسك بي وقبلني قبل أن يأخذوني للسجن، وقال: اذهب يا ولدي فمهما فعلوا بك، قل إنها لله، وعندما أمسكوا بي في الكلية بدأ (رحمه الله) يصفق لي من الطابق الثاني فصفق معه كل الطلاب في فناء الجامعة، وكان خروجنا مع العسكر مشهودا وأشبه باحتفال، ثم وضعوني في حمام شرقي مساحته متر × مترين مع 25 سجينا، إلى أن أتانا فرج الله.
• يقال إنك تأثرت كثيرا بالشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله) أكثر من تأثرك بالوالد؟
الاثنان كان لهما دور كبير في توجيهي، فقد تعرفت على الشيخ علي الطنطاوي عندما زار العراق وعمري وقتها عشر سنوات فسافرت معه من بغداد إلى الموصل، وكان يلقي الخطب في أي مكان يذهب إليه وبعض خطبه ما زلت أحفظها إلى اليوم؛ لأنه كان خطيبا رائعا وهادئا.
• على عكس خطب الوالد؟
العراقيون يحبون حرارة والدي (رحمه الله)، وعندما كان يخطب يتحمس الناس ويبكون ويكبرون، وعندما يخطب فيهم الشيخ الطنطاوي تجدهم يضحكون ويبتسمون، فكانا يشكلان ثنائيا جيدا في تلك الفترة.
• ماذا حدث بعد قدومك إلى مكة المكرمة، وما هي أسباب المرحلة الشائكة التي مررت بها في كليتي التربية والشريعة في مكة المكرمة؟
بصراحة مطلقة، كنت شابا متحمسا ومندفعا. وألوم نفسي وأنا في خريف العمر الآن عندما أتذكر ما حدث في الماضي، وأنظر له نظرة مختلفة. وكان عميد كلية الشريعة آنذاك الشيخ عبد الله بغدادي (رحمه الله)، كما كان حسن خفاجي عميدا لكلية التربية فلم تكن هناك جامعة، وأول دكتور جاء للجامعة هو الدكتور حسن باجودة، ثم لا تنس أنني كنت عراقيا ومتعاقدا مع الجامعة لمدة سنة، وقد تكون شخصيتي تصادمية في تلك الفترة، فقد جئت دكتورا للكلية من العراق في السادسة والعشرين من العمر، ويشهد الله أنني أحببت مكة المكرمة كحبي لبغداد، وكانت مشكلتي أنني قارئ نهم وما زلت ، فإذا جلست في المجالس تكلمت بصراحة، وماحدث أنني عندما جئت من بيروت وتعاقدت مع كلية الشريعة مدرسا أخذوا مني شهادتي التي نلتها من أكسفورد، فحدث بعد فترة أن طلبت مني الجامعة صورة الشهادة، فأخبرتهم أن شهادتي الأصلية لديهم، فجاء الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام (جزاه الله خيرا) وكان وقتها عميدا لكلية التربية، وهو أخ حبيب وعزيز وغال وما زال، فأخبرته أنني سأحضر نسخة من الشهادة عندما أسافر إلى لندن في الصيف، وكانت جامعة أكسفورد تطبع كتابا سنويا بالخريجين فطلبت أن يكلموا الجامعة، وسبحان الله ذهبت إلى أكسفورد وأخبرتهم بما حدث، فأخبروني أنهم لا يعطون إلا شهادة واحدة وقالوا لي: هذا يدل على أن بلدكم متخلف، فثارت ثائرتي وقلت لهم: السعودية ليست بلدا متخلفا، فيكفي أن يصلي للبيت الموجود فيها مليار مسلم يوميا، فهذه البلاد أعطت العالم الدين والثقافة وأنا من مكة المكرمة التي تعتبر أطهر بقاع الأرض، ثم هاجموا الحكومة فقلت لهم إن فيصل أفضل من إليزابيث، وفوجئت بعد ذلك بموافقتهم على إعطائي شهادة بديلة.
• هل صحيح أنهم رفضوها لأنها لم تكن مترجمة ولا مختومة من ملحق ثقافي؟
لم أكن بحاجة لكل ذلك؛ لأنها شهادة صادرة من جامعة أكسفورد، ويكفي أن يكون زملائي فيها الأمير خالد الفيصل، والأمير الحسن بن طلال، وابن الملك ظاهر شاه، وبي نظير بوتو التي جاءت بعدنا، فجئت بها للدكتور عبد العزيز خوجة وعندما فتحنا ملفي في الجامعة وإذا بشهادتي الأولى موجودة، فعادت الشهادة الثانية لي فحصل وقتها لغط وأراد البعض أن يحارب والدي بي بأنه ليس معي شهادةأ وهذا ما حدث من سوء تفاهم ليس إلا.
• وهل كان هذا سببا كافيا لكي يرفض الذين عادوك في الكلية أن يعزوك في والدك بعد وفاته؟
أنا لا ألوم إخواني على ما حدث، وليس في قلبي شيء على أحد الآن وأقول سامحني الله وسامح كل الزملاء.
• ولماذا انقطع راتب الوالد بعد ذلك؟
بعد وفاة الملك فيصل (رحمه الله) كان الوالد ما زال متعاقدا. وبالمناسبة فهذا الأمر يؤثر في تأثيرا كبيرا، فقد كان راتب الشاب المراهق مجاهد الصواف 12900 ريال، فيما كانت رواتب الشيخ الطنطاوي ومحمد قطب ومحمد المبارك ووالدي 6900 ريال لكل منهم؛ بسبب أنني متخرج بشهادة من الغرب، فعندما تشرفت بالجنسية السعودية في عهد الملك فيصل قدمت لقطع تعاقدي وأصبحت موظفا تابعا للحكومة، والوالد كان مشغولا فلم يفعل مثلي، وفجأة توقف راتبه بعد وفاة الملك فيصل فلم أخبره عندما علمت بالأمر لكي لا أجرح مشاعره، وكنت أقسم راتبي فأعطيه النصف دون أن أخبره فحدث أن دعتني جامعة هارفارد عام 1976م أستاذا زائرا، فذهب الوالد لاستلام المرتب في سفري فاكتشف الأمر فغضب مني، وعندما عدت وجدنا أن من واجبنا أن نشغل الوالد بعد استشهاد الملك فيصل، خصوصا أنهما كانا صديقين مقربين جدا لبعضهما، فقرر الوالد أن يدخل الإنتاج الإسلامي التلفزيوني في مصر، فانشغل به ونسي الأمور الأخرى.
• وهل كان هذا سببا لاستقالتك من جامعة أم القرى؟
أنا أحب التدريس وما زلت أتمنى أن يكرمني الله بأن أجلس في حلقة مسجد وحولي عدد من الطلاب، وقد لا تعلم أنني عندما استقلت من الجامعة ظللت أبكي طيلة الطريق من مكة المكرمة إلى جدة، وبودي أن يستفاد من خبرات زملائنا السابقين ليقدموا خبراتهم للزملاء الجدد، وأنا أستغرب أن تقاعدنا الجامعات السعودية ونحن شبابا قادرين على العطاء، وتهدر طاقات كبيرة من الخبرات والتجارب بحجة التقاعد في عمر الستين وهي سن العطاء بلا حدود، ولو تعرف أن أستاذ الجراحة اليهودي في جامعة كولومبيا في نيويورك ما زال يأتي كل يوم إلى غرفته لمدة ساعة أو ساعتين مع أنه في الخامسة والتسعين من العمر، فالإنسان إذا بلغ الستين إذا أعطيته أحييته. وللأسف أن لدينا مشكلة في جامعة أم القرى وبقية جامعات المملكة بسبب النظام الخاطئ الذي صنعناه بأيدينا، وهي التفرقة بين حامل الماجستير والدكتوراة، وحدث أن أثير هذا الموضوع في إحدى المناسبات في حضور مدير الجامعة الدكتور محمد عمر زبير، فقلت له: إن من منحني الدكتوراة لا يحمل إلا شهادة الماجستير، وأنا أصبحت أستحي من قول الدكتور مجاهد، بسبب الجري خلف الشهادات فبرزت الشهادات المزورة للدكتوراة بسبعمائة دولار وغيرها.
• هل ما زلت متمسكا بفكر الإخوان؟
لا أريد أن أنافق أو أراوغ معك في الإجابة، فقد كنت منضما للحركة ومن قياداتها حتى سنة 1970م عندما عدت للمملكة، فلم يكن في استطاعتي أن يكون لي ولاءان؛ أحدهما لفكر الإخوان، والآخر لفيصل بن عبد العزيز (طيب الله ثراه)، وأستطيع أن أقول إن تنازع القوانين بدأ عندي في سن مبكرة، فانقطعت علاقتي التنظيمية بالحركة كما قلت لك مع بداية السبعينيات.
• والفكرية؟
لا أخفيك أنني تأثرت بالفكر السلفي كثيرا، لكنني لا أكذب أيضا فأقول إنني نزعت نفسي من فكر الإخوان؛ والسبب أننا نشأنا على هذا الفكر ونحن صغار في العراق.
• إلى أي مدى تأثرت بالملك فيصل، خصوصا أن صداقته للوالد كانت حميمية كثيرا قبل استشهاده؟
الملك فيصل كان أكبر جامعة يمكن أن يتعلم منها الإنسان، وأرجو الله أن يعطيني عمرا لأكتب عن هذا الرجل العظيم الذي رأيته بأم عيني يبكي ويبل طرف غترته بالدموع في مسجد الحمراء، فيسأله الوالد: ما يبكيك؟، فيقول: ماذا سأجيب الله سبحانه وتعالى وفي حكمي سقطت القدس؟، فقال له الوالد: كلنا مسؤول، فقال له: أنت شيخ ولكن أنا ملك. وأنا لا أعلم النيات ولكنني أشهد أن الرجل عندما طلب الشهادة في القدس كان صادقا.
• لو عدنا للحديث عن حركة الإخوان، فهناك شبه إجماع على أنها تجربة متهورة ببحثها عن الصدام مع الحكام في كل البلدان العربية؟
لا بد أن نتكلم بواقعية ومنطقية، ولا يجب أن نحكم في عام 2010 على ما حدث في بداية القرن العشرين، فالظروف تختلف وكثير من الأكاديميين يخطئون عندما يعممون، وأعتقد أن خطيئتها الكبرى ليست في الصدام مع عبد الناصر وإنما في مغامراتها وأخطائها الجديدة؛ كدخول الحزب الإسلامي إلى الحكومة، فهذا خطأ قاتل بالرغم مما أسمعه من مقاومة للحركة في العراق حاليا.
• هل تعتقد أن عودة الحزب الأسلامي العراقي بقيادة الدكتور أسامة التكريتي والحزب الإسلامي الكردستاني اللذين يعبران عن فكر الإخوان يمكن أن يعبرا عن التفاف جديد للحركة؟
لا أخفيك أنني منعزل عن الشأن العراقي منذ سقوط نظام صدام، بسبب الصدامات الكبيرة بين الحزب الإسلامي والتيار الجهادي في حركة الإخوان المسلمين، ولا تنس أنني ابن مؤسس وعملي في السعودية، فلم أرد الدخول في أي شيء، فابتعدت عنهم جميعا وأنا لا أقابل أحدا مع أن عدة أشخاص من السلطة جاؤوا وأرادوا أن يقابلوني فرفضت، ولا بد أن يكون وضعي هكذا ولا أريد أن أجر إلى شيء ولو أن أكون مصلحا بين الأطراف المتنازعة.
• لوطلبوا منك أن تعود إلى العراق لتمثيل السنة فما رأيك؟
كلمني عدة أشخاص للعودة إلى العراق وتمثيل السنة فرفضت من منطلق رفضي للسياسة.
• هذا يعني أنك لن تعود للعراق مستقبلا؟
أرجو الله سبحانه وتعالى أن أدفن هنا بجوار والدي (رحمه الله).
• رافقت الوالد في لجان المصالحة مع المجاهدين الأفغان، والكل قال إنك توقعت فشل المصالحة حتى قبل سقوط كابل في يد المجاهدين؟
من نعمة الله علي أنني قارئ نهم إلى الآن ودراستي غربية ومطلع على أغلب ما يطرح في الغرب، وعندما تحدثنا مع مجموعة كبيرة من الناس والمثقفين المسلمين في عام 1983م كنا نعلم أن الولايات المتحدة والغرب لا يمكن أن يتقبلوا المجاهدين الأفغان كحركة، والإسلاميون مع الأسف لم يكونوا ينظرون إلى البعد الغربي، وكثير منهم كان متحمسا ولاخبرة له في السياسة، والتاريخ يثبت أنه لا يمكن لمقاتل أن يستلم حكما، فهناك فرق شاسع بين العسكرية والجهاد وبين قيادة أمة، والحقيقة أن الإنجليز قاموا بعملية جيدة جدا، فكل الكتب التي ألفوها عن أفغانستان والهند والمعارك الإنجليزية في القرن التاسع عشر طبعت وكانت تباع في مكتبة في فندق بيرل كونتننتال الوحيد في بيشاور، فقرأت عن طبيعة الأفغان، وكنت إذا تحدثت إلى الصحف أشبه الأفغان بالقبائل الكردية في شمالي العراق من حيث العناد والقوة، خصوصا إذا اقتنعوا بفكرة معينة، لكنهم يجاملون كثيرا، وكنت أعلم أن هناك مجاملات، ومن الأمور التي قلتها لصبغة الله مجددي ورباني وسياف في حضور الوالد والشيخ الزنداني والدكتور عبد الله عزام (رحمه الله) إن السفير الأمريكي لم يحدث أن حضر اجتماعا إلا ومعه شخصان أو ثلاثة كشهود على ما يقال في المجلس، فلماذا لا تفعلون مثله وأنتم تصرون على أن تأتوا دائما فرادى وتقولون فعلنا وقلنا ولا يعلم بذلك أحد، فأين شهودكم على ماتقولون؟.
• كان لك دور في عملية جمع التبرعات لصالح مشاريع المسلمين في أمريكا من خلال اقتطاعها من الضرائب في السبعينيات الميلادية، فكيف تم ذلك؟
عندما كنت أعمل مع الرابطة وأحترق من أجلها بلا مقابل مسافرا معها في كل مكان، مرت علي أيام لم يكن يكفيني مرتبي، فكنت أسافر بالدرجة السياحية لأنها رابطة العالم الإسلامي، وفي أحيان أخرى أكون ضيفا عليهم، لكنني لم آخذ منهم أية مكافآت، ولاحظنا منذ تلك الفترة أن الدعم قد لا يستمر، وبحكم دراستي للقوانين فقد كنت مؤمنا أن نظام الوقف الإسلامي أكبر نظام أعطى الخطيب المسلم حرية الكلمة، ونادينا ونحن شباب بالوقف الإسلامي من باب أن تكتفي الجمعيات الإسلامية في الخارج بعملها، وهناك نقطة جيدة في القانون الأمريكي لا أصفها بأنها ثغرة دفعت بها الطائفة اليهودية، بحيث أنك إذا دفعت من ضرائبك تبرعا لأية دولة فتحتسب من الضريبة، ووجدنا أن الجيل الأول من المسلمين رغم غناهم إلا أنهم يجهلون الأنظمة والقوانين ويخافون من الدخول في هذا الموضوع، فأخذنا وقتا مع الشيخ محمد صفوت السقا (مساعد الأمين العام الأسبق) لإقناعهم بالتحرك في هذا الاتجاه، وبدأنا بأئمة المساجد، وأعتقد أن الجيل الثاني والثالث بدأ يتفهم العملية الآن، وقد كنت في زيارة قبل أشهر لأمريكا فدعيت لحفل عشاء ودمعت عيناي عندما تم جمع 150 ألف دولار في ساعة واحدة لصالح أحد المشاريع الإسلامية، وحمدت الله لأن حلما من أحلامنا قد تحقق، والأجمل من هذا أن الجيل الثاني بعث ببرقية موقعة من مليون مسلم للرئيس أوباما يذكرونه فيها بما قاله في القاهرة قبل عام من أنه سيحرر زكاة المسلمين ويطالبونه بالإيفاء بوعده. وهكذا بدأ المسلمون يتحركون بما أردناه لهم في السبعينيات، أما الشباب فتركوا الاصطدام بأي شخص وأصبحوا يذهبون إلى المحاكم لأخذ حقوقهم، واليوم مساعدة هيلاري كلينتون مسلمة مع أنها تزوجت بيهودي، وأرى في الأفق مستقبلا مشرقا للإسلام في هذه البلاد، ولأبشر إخواني المسلمين فالإسلام أكثر الأديان انتشارا في أمريكا خصوصا بين الهنود الحمر واللاتينيين.
• إذا تحدثنا عن المحاماة فالكل يشعر أن هناك مشكلة علاقة بين المحامين والقضاة في المملكة دون سبب واضح.
نحن بين تيارات لا تعلم الواقع، وأنا محام منذ 31 عاما وأقول لك بصراحة: قلة منا من يذهب للقضاة بنفسه، وللأسف أن معظمنا يبعث معقبين وأنا أتكلم هنا عن زملائي المحامين ، ولكن من تجربتي، وقد كنت في بريطانيا شاهدا خبيرا في قضية فأفهمت القاضي الإنجليزي على الشريعة فخرج القاضي وقال أنا لا يمكنني أن أجلس معك ولكن إذا أتيت مرة أخرى فأريد أن أجلس معك، والحمد لله أن من أراد خبرتنا فاز بالقضية، وما أريد قوله بعد هذه السنوات أنه ليس باستطاعتي أن أهاجم القضاة، فهم بشر فيهم الجيد والمتوسط والذي لا يقرأ كالمحامين والأطباء، واليوم أصبحنا نهاجم القضاة والعيب فينا، فنحن نتكلم عن الأنظمة وهي موجودة بل إن نظام العمل السعودي متطور عن أي أنظمة أخرى وهذا الكلام أقوله في محاضرات في الجامعات الأمريكية، ويكفينا فخرا أن الولايات المتحدة اليوم رجعت لنظام الإقامة السعودي، فلا تدخل مستشفى إلا إذا كنت مقيما أو مواطنا، فالمشكلة في التعليم والقضاء هي الإنسان ولا شيء غير ذلك.
• ألم تواجه أنت موقفا محرجا مع القضاة على مدى ثلاثة عقود؟
عندما كنت شابا في الثلاثين من عمري، دخلت على قاض من القضاة وكان منفعلا فقال: لا أريد المحامين، فقلت: يا فضيلة الشيخ اسمح لي أن آتي لك بماء لكي تشرب، فرفع نظره إلي وقال: لم؟، فقلت له لكي تهدأ وتسمع مني، وسبحان الله هدأ الرجل، فطلبت منه أن يسمح لي بأخذ الجزء الثالث من كتاب المغني من مكتبته، ففتحته وقلت له: الشاب الذي يجلس أمامك قام بتدريس هذا الكتاب لطلابه، وفي هذا الكتاب يا فضيلة الشيخ أنه إذا كان القاضي غضبان فليس له أن يحكم، كما أن من أدب القاضي ألا يحمل العصا، فخجل من نفسه وسألني عن اسمي فتعارفنا وأصبحنا أصدقاء منذ ذلك اليوم، وأنا لا أقول إنني حكيم، ولكن الزمن علمني.
• لكن هذا لا يمنع من وجود ضغوط على المحامين بسبب عدم وجود حصانة لهم؟
أنا لم أسجن على مدى 31 عاما، فقل لي بالله ما هي الحصانة التي يريدها المحامي؟، ودعني أسألك سؤالا: هل رأيت طيلة حياتك أنني تكلمت للصحافة في أية قضية، هل رأيت اللوحة الموجودة على باب مكتبي ذات أربعة أمتار، أم لوحة دلالية صغيرة؟، يا أخي لا يمكن أن أضربك دون أن تعتدي علي، أتعرف أنني جعلت المرافعة في إحدى القضايا وأنا محكم مرجح لشركات كبرى بأن جعلنا المحامي الأمريكي يترافع وجعلنا العملية كلها باللغة الإنجليزية، وأن الزميلين لم يجهزا مرافعتهما، فالخطأ لا يكون من فرد واحد، وعندما تذهب لشخص لا يعرف من أنت، وهل أنت مدع أم مدعى عليه، وهذه شاهدتها والله لدرجة أن من يبعث لا يحمل قلما، ولو كان القضاة بهذا السوء فهل أستطيع أن أذهب ومعي شركات عالمية كبرى إلى المحكمة.
• البعض يعتبر المقارنة ظالمة مع ما يتمتع به المحامي في القضاء الغربي؟
حتى في الغرب يوجد قضاة فاسدون، ويكفي المملكة فخرا أنني أذهب إلى أية منطقة وأترافع فيما لا أستطيع ذلك في أمريكا، فإذا ذهبت إلى هيوستن وأنا محام أمريكي، فلا بد لي أن أستعين بمحام من نفس الولاية، والحال كذلك في الولايات الأخرى، وهذا الأمر ليس موجودا عندنا والحمد لله، فالشاهد أننا لا نتكلم عن القاضي ونترك الموظفين الذين يعملون تحته، والإصلاح يجب أن يشمل العملية كلها.
• هل تعتقد أن المحامين السعوديين بحاجة إلى جهة تنظم صفوفهم؟
نحن بحاجة إلى جمعية فعلا لتأخذ بيد المحامين وتدربهم وتعلمهم، وكمثال؛ فكلنا يذكر قصة اللاعب الأمريكي سيمبسون الذي قتل زوجته ومن ثم استعمل محاميا بعشرة ملايين دولار وفاز بالقضية، فيما خسر تايسون قضيته لأنه لم يستعمل محامين جيدين، مع أن البنت دخلت إلى غرفته في الفندق في الساعة الثانية ليلا.
• البعض يشكو من رفض قضاياه من قبل القضاة؟
هناك قضايا من حق القضاة أن يرفضوها، وأعطيك مثالا لتعرف السبب، فقبل أيام رفض أحد القضاة قضية كبيرة لإحدى المؤسسات الكبرى فاتصلوا بي فطلبت منهم مذكرة الزميل فوجدتها لا تصلح أن تكتب من إنسان عادي فما بالك بمحام؟، فكتبت لهم مذكرة بديلة وقدمتها فقبلت الدعوى، فقل لي بالله.. العيب في القاضي أم المحامي، ثم تعال واسأل كم من المحامين يأخذ أموالا ولا يردها للناس، وقبل أيام اتصل بي شخص لتقديم شيك بكذا مليون وقال لي: أنا آسف فلا أستطيع أن أثق إلا بمجموعة معينة، فأريد منك أن تعين لي أحدا ليستلم الشيك من قاضي التنفيذ.. أليس هذا شيء مؤلم فعلا.
• وأين دور المرأة المحامية في محاكمنا يادكتور؟
ابنتي تدرس المحاماة الآن، ولكن دعني أتكلم بصراحة، فمشكلتنا في المملكة أن بعض الصحافيين والمثقفين يتكلمون عن أمور تخص المرأة مثل قيادة السيارة ويسكتون عن المهم من حقوقها التي تحرم منها وأعطاها الله إياها، وفي مكتبي تمر قضايا لنساء يحرمن من الميراث، وأعتقد أننا إذا طالبنا بحقوق المرأة فلا أقصد الحقوق التي يعطيها القانون الأمريكي للمرأة الأمريكية لأنها هناك مظلومة ومحتقرة، وإنما أتكلم عن الحقوق التي أعطاها لها الشرع، والمرأة التي وقفت أمام سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وناقشته في المهر فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، فلنعد إلى شريعتنا.
• وما مدى رضاك عن نظام تأديب المحامين الذي يقول البعض إنه أوكل إلى لجنة غير محايدة؟
مشكلتنا هي الثنائيات، فهناك من درس الشريعة ولم يدرس القانون، وأناس درسوا القانون ولم يدرسوا الشريعة، وفي الغرب نقابة المحامين هي التي تقوم بتأديب المحامين، لكن ما هو التأديب عندهم؟، ولو جئنا بأخلاقيات المهنة في كاليفورنيا ونيويورك فأنا أعتقد أننا سنهاجم هذه الخلاقيات أكثر مما نهاجم القضاة اليوم. أما عن النظام وإعطاء الأمر للقضاء فأنت تذهب إلى القاضي في موضوع زوجتك ومالك، والقاضي حيادي فلا تذهب إليه في موضوع محام. ولا أنسى أنني كنت أترافع أمام أكبر قضاة كاليفورنيا وعمره 80 عاما فقلت له: إن ديننا يقول إن القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة، فقال لي: يا مجاهد أنا لم أنم الليل من كلامك وأنا قاض وأحكم في السنة من 200 إلى 300 قضية وأنا خائف من النار، فقلت له: سبحان الله، أنت مسيحي!، فقال لي: من كلام رسولكم اقشعر بدني، فقلت له: أنت تحكم وتعتقد أن الحكم صحيح ولا ترتشي فقال لي: والله أنا نظيف، فقلت له: أبشر إن شاء الله تكون من قضاة الجنة إذا أسلمت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.