كان استاذنا في اللغة الانجليزية بمدرسة تحضير البعثات السنة الثانية الاستاذ سعيد الدباغ (الله يرحمه ويجزل مثوبته) فمن علمني حرفاً صرت له عبداً، وقم للمعلم وفه التبجيلا.. ومن الزملاء الاحياء (معالي الاستاذ د. عبدالعزيز الخويطر وأحمد زكي يماني وعلي طاهر طرابزوني) وكنت وانا صغير اسأل العم (محمد سعيد خوندنه) رحمه الله عن بعض الكلمات العربية وهو يترجمها لي الى الانكليزية وكان هذا الرجل الانسان يجيد خمس لغات ولا أبالغ ان قلت انه الوحيد في سوق سويقه (وكان الحيز محدوداً.. وسويقه والمسعى هما السوقان الرئيسيان بمكةالمكرمة وثالثهما باب السلام يا سلام، وكنت الى جانب والدي في الدكان خياطاً ثم مرسولاً الىالصناع (انا واخواني محمد رحمه الله والاستاذ عبدالله يحفظه الله) ولم نكن نعرف العمالة فالحضارمة يدرسون مادتي الاملاء والحساب بزاوية الخال من الرضاع الشيخ ابراهيم خلوصي الحلواني .. ويعملون في البنك الأهلي وفي دكاكين القماشين بسويقه.. وهكذا كان الحال ايام زمان وكانت السعادة في البساطة.. وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية وتأثر مكة والمدينة وجدة نقص عدد الحجاج استأذنت الوالد في البحث عن وظيفة بأي جهة .. وكنت قد انقطعت عن الدراسة لظروف مرضية ثم للزواج المبكر (دون العشرين) وكنا الطلبة نحسب ألف حساب وحساب. اذا نظر المدرس الى احدنا .. اما نحن الطلبة فلا نتجرأ على النظر في وجه المدرس .. لاننا لو طالعنا يقول لنا والعصا في يده (ايش فيه يا ولد طالع وجهك في المراية في البيت) وعلى اثر سخونة لزمت المنزل يومين.. وارتأى الوالد رحمه الله (شربة ملح انجليزي) Epsom salt English عرفت الاسم من قرطاس الملح فحررت رسالة بالانجليزية ارسلتها مع احد اخواني الى المدرسة لاستاذ الانجليزية وصلته الرسالة قرأها على الزملاء ولما حضرت وجاءت حصة اللغة الانجليزية ودخل الاستاذ ووقفنا احتراماً فقال sit dawon جلوس وقال الاستاذ stand up فوقف الجميع فقال الاستاذ تحية للخياط وشكراً له على رسالته لي بالانجليزية، وفيما بعد كنت أتتلمذ في الانجليزية على الزميل عبدالعزيز ساب ومحمود عبدالوهاب دهلوي رحمهما الله وعندما استأذنت الوالد رحمه الله ووافق قال لي روح الى الشيخ حسن سعيد يماني رحمه الله وشوف ايش يقول لك فذهبت الى جياد بئر بليلة ودخلت وعنده طلبة اندونوسيون وسلمت عليه فأشار بالجلوس وبانتهاء الدرس قلت له ارسلني والدي اليك من اجل وظيفة لي فنادى ابنه محمد رحمه الله وقال له البس ثوبك وروح مع عبدالرحمن الى طلعت بك مدير الأمن العام يشوف له وظيفة وهكذا بكل بساطة ذهب معي الى الحميدية مقر الأمن العام وكتابة العدل والمحكمة المستعجلة والشورى وفرع وزارة الخارجية وقال للجندي الواقف على غرفة المدير طلعت وفا (افتح الباب يا ولد) ففتح الجندي الباب ولم يستأذن المدير ودخل الاستاذ محمد حسن يماني رحمهما الله وانا وراءه وسلم على المدير وسلمت انا كذلك وجلس على الكرسي الذي بجانب ماصته وطلب المدير القهوة وعلى فنجان القهوة قال للمدير (الوالد يسلم عليكم وهذا عبدالرحمن خياط ان شاء الله تشوفوا له وظيفة عندكم فرد عليه المدير ان طلب والدكم عزيز فاستأذن الاستاذ محمد رحمه الله وقال لي والمدير يسمع اذا خرجت ترجع للوالد ليعرف ما حصل وسلمني المدير الى مدير عام الادارة الشيخ عبدالرحمن عبده الحضراوي وقال له هذا مرسول من الشيخ حسن يماني فأخذني الشيخ الحضراوي الى غرفته واتصل بمدير ادارة الموظفين الشيخ مصطفى قاروت وتكلم معه فقال لي مصطفى أفندي تعال معي وحرر لي مذكرة الى مستشفى اجياد ، وصدر لي التقرير وفي اليوم التالي صدر خطاب المدير العام الى وزارة الداخلية واعطيت رقم الصادر الذي أعطيته للاستاذ محمود مالكي بالوزارة وصدرت الموافقة وباشرت والحمد لله على كل حال.