بعض من من الروح نبض الحرف، نرسله إلى الخلود، فإن الروح لاتفنى نور على الماء، نرعى فيه صورتنا به، لندرك في التكوين.. كم أنّا نذوب فيه، فنغدوا فيه ينشرنا نعانق السحر، نهدي طيفنا لحنا بهذه الأبيات وصفت الشاعرة الأردنية مناهل بنت شاهر العساف عنوان ديوانها "نور على الماء" الذي كان ل" ثقافة اليوم" معها هذا الحوار. * الإصدار الأول دائما ما يكون مصحوبا بالقلق، ومع أن الديون ينم عن تجربة ناضجة، فبم تصفين ديوانك "نور على الماء"؟ هذا الديوان لا أقول أنه يعد بالنسبة لي تجربة شعرية بما يعنيه هذا المفهوم، على الرغم من أني بدأت أكتب الشعر منذ السابعة، مما وجدتني شاعرة بالفطرة أكتب القصائد الفصيحة دونما علم بالعروض ولا دارية ببحور الشعر، ومن هنا جمعت ما استحسنته من قصائد لدي لتقديمها إلى "رابطة الكتاب الأردنيين" كشرط لقبولي عضوا في الرابطة، حيث وجدت فيما بعد عرضا لطباعة الديوان، حيث أعتبر أن الديوان الأول بمثابة بصمة شعرية من شأنها أن تكشف الكثير من ملامح الشاعرة أو ألشاعر في الوسط الأدبي. * جاء الديوان يحمل نصوصا من الشعر العمودي، هل يعني هذا أن مناهل لا تستحسن كتابة قصيدة التفعيلة؟ القصيدة في حقيقة الأمر أنها تستفز شاعرها ليكتبها، ومن ثم لا تمهلك كثير عند كتابتها لاختيار شكلها العمودي أو التفعيلي، فالقصيدة تستدعيك لتكتبها، فمتى ما فاض بك الشعر اضطرتك القصيدة للإمساك بالقلم لتكتبها، وشكل القصيدة هو من يحدد من خلال الدافع الداخلي دون إشعارك بقالبها، بعيدا – أيضا – عما قد يجده النص من وجهات النظر من قبل القراء أو النقاد، إلا أن القصيدة العمودية فيها كثير من السحر الأخاذ وهي الشكل الأساس للشعر، ومن هنا أجده أكثر موسيقى وأكثر فيضانا إيقاعيا بالحس المترنم، والمحافظة على شكل معين، تحتفظ فيه القصيدة بشكلها وبنائها الذي يسايرك من أول النص حتى آخره. * من خلال ما حفلت به موضوعات قصائدك يجد امتدادا شاسعا لخارطة الحزن على مستوى الذات، الوطن، الأمة، فإلى أي حد جعلت منك هذه الخارطة رهينة حزن يزداد اتساعا على مستوى الحقيقة والخيال فبم تعلقين؟ الشاعرة والشاعر لا يكتب إلا ما يجده من انعكاسات لما في نفسه، والنفس ما تعكس إلا ما يدور في محيطها، ومن ثم يمكن أن نفصل أنفسنا عن الواقع الذي نعيشه، كما لا يمكن بوجه عام أن نظل نتخيل دنيا من الأحلام الوردية، ونجد أنفسنا أشبه ما نكون بالمحلقين الذين لابد وأن يقعوا على رؤوسهم أمام القارئ، فالواقع الأليم الذي نعيشه عربيا يجعلنا في هذا الموضوعات، التي تأتي بدورها في قصائدي بوصفها رسالة شاعرة تكتبها للأيام، لا مجرد كتابة فنية، فالخير والشر والفرح والحزن كلها تظل ذات حضور تتداخل فيه نصوصنا الإبداعية دونما نملك اختيار لتغليب وجهة على أخرى، نتيجة الإيمان بالموضوع الذي تكتبه، والمشاعر التي تفيض بك لكتابة ما يسكن دواخلنا، ولعل أبرز ما يلامس هذه المساحة الشاسعة التي وصفتها هو ما نتعرض له من ظلم على المستويات المختلفة فردية ذاتية أو اجتماعية أو أممية. * وهل الشاعرة أكثر إحساسا بالظلم مقارنة بالشاعر وخاصة فيما تصطدم به من أعراف وتقاليد في المجتمعات العربية؟ ربما هذا صحيح، لكنه ليس بشكل مطلق، بمعنى أن مرد هذا طالما حددناه بالشاعرة بوصفها أنثى، فهنا يكون مرده المجتمع الذي تعيش فيه الشاعرة ويسكنها أيضا، إلا أن الشاعرة أو الشاعر عليهما في التعاطي مع الموضوع أن يكونا أكثر إنصافا لتوازن صوتي العقل والعاطفة والمنطق والشعور، لأنه يعكس بالتالي توازن الذات، الذي بدوره يكون قادرا على البوح والتعاطي مع خوالجنا تجاه ما نشعر به ونحسه من واقع يقابله موضوعية لغة. * من الملاحظ ترجل الشعراء والشاعرات عن كتابة القصيدة إلى كتابة الرواية تبعا لما فرضته - ربما - الموجة القرائية فكيف تصفين هذا المشهد الكتابي؟ في تصوري أن المسألة ليست مجرد اختيار الانتقال من كتابة الشعر إلى السرد، لأننا هنا بحاجة للكشف عن منبع هذا النص، هل هو الصدق والقدرة الفنية التي تترجم صدقه، أو مرده منبعا ماديا أو أنيا في كتابة فن أدبي ما، وأظن أن القارئ بوجه عام قادر على اكتشاف هذين القطبين من الكتابة. * ألا ترين أن التجربة الأولى تظل متوجسة من مجاملات بعض النقاد الانطباعية التي قد لا تصدق الشاعرة أحيانا؟ ربما يصادف الإصدار الأول الإبداعي أيا كان فنه أشياء من هذا الهاجس، إلا أن النقد الحقيقي يظل يكشف مدى قدرة الناقد قبل أن يظهر ملامح التجربة الإبداعية الأولى، ومن خلال متابعتي لهذا البعد أجد أن هناك من النقاد من يتبارون في قصف وتثبيط أصحاب التجارب الأولى أيا كانت قدرات صاحب التجربة الإبداعية، ونجد آخرين يزيفون الإبداع ويزينونه للقراء بما يفسد الذائقة العامة للقراء، وأنا لا أريد أحد الفريقين، وإنما أطلب نقد موضوعيا مبنيا على أسس النقد العلمية والمنهجية في قراءة النصوص الإبداعية. * وماذا عن التقديم الذي يتصدر أغلفة الإصدارات الإبداعية ألا تجد مناهل بأنه في الغالب مغرق في التزيين والتزييف؟ هذا صحيح وأمر وارد، لكني أتصور أنه يعتمد على ماهية الأشخاص الذين يقدمون للأعمال الإبداعية، وخاصة أنها تتطلب قارئا واعيا من نوع مختلف عن سائر الإصدارات الأخرى، ومن هنا يمكن أن نرد هذه الظاهرة إلى تساؤلين، أولهما هل كاتب التقديم مؤهل لكتابة تقديم لعمل إبداعي في فن أدبي ما، والآخر عن حقيقية التجربة الإبداعية التي يمتلكها صاحب الإصدار، وإن كان التقديم يأتي من قبيل الرأي الشخصي الانطباعي أكثر منه نقدا. * مع شيوع كتابة النصوص عبر "فيس بوك " و " واتس آب" وغيرها لمعرفة رجع الصدى فهل تحرصين على هذا اللون من التواصل الإلكتروني الإبداعي مع القارئ؟ حقيقية لست ممن يميلون إلى اقتناص وجهات نظر القراء بما أكتب من نصوص، فأنا أحب أن أنشر النص الذي يعبر عن فكرة اكتمل التعبير عنها، وانتهيت منه منذ اللحظة التي انتهيت من كتابته، مما يجعلني غير مهتمة بهذا النوع من الردود فلا يعجبني أولئك الذين يتزلفون الناس ويتملقونهم فيما يكتبون عبر هذه الشبكات، لأنهم لا يحترمون ما يكتبون. * ختاما لحوارنا هذا.. ماذا عن جديد مناهل القادم؟ لدي عدد من القصائد الجديدة، التي ستخرج في ديوان قادم، إلا أنني مع ذلك قررت أن أتروى لأتعرف على أصداء ديواني " نور على الماء".