وضعت هذه المقالة لشاهد تذكر حيث بقي العطر دون صاحبته يوم 17 مايو 2012، وأطلقت آخر أغنية سجلتها. فمنها وإليها والتحية إلى أصدقاء الولع الوردي: ماما تانيا ومنال المناصرة وحميدة. وحين تصدر الأغنية الوحيدة، وهي من أصل أربع أغنيات لم تسجل سوى واحد من تلحين بلال الزين، التي لم تتضمن في مجموعتها "اللي ضاع من عمري" (2012) تكون قد اكتملت فصول قصة الحب الكبيرة في القرن العشرين بين وردة وبليغ حمدي. فإذا كان هو عبر أغنية "بودعك" ودع عبر حنجرتها أيامهما وشغفهما وشقاءهما. ودع الوطن فيها. صوته كان هو الوطن. "بودعك وبودع الدنيا معك / قتلتني جرحتني وغفرت لَكْ قَسْوتك".. وأما في أغنية "أيام" (2013)، التي وضع كلماتها منير بو عساف ولحنها بلال الزين، فهو كان بالنسبة لها الأحباب والأصحاب والمصالحة والتسامح. كان بالنسبة لها الحياة. "كنا رجعنا أحباب فارقناهم / كنا صالحنا أصحاب زعلناهم / كنا سامحنا ياللي جارحنا / كنا اللي مرة جرحنا / رحنا نقل له سامحنا". وهو يقول عنها: "وردة هي حبيبتي قبل أن تكون زوجتي.. وتوأم روحي قبل أن تكون شريكة حياتي" (أيمن الحكيم، بليغ حمدي: مذكرات شخصية، 2001). وعودة وردة إلى الغناء باللهجة اللبنانية البيروتية تمثل العودة إلى جذور والدتها الصيداوية السيدة نفيسة يموت، والعمل مع بلال الزين يمثل تأكيدا لما تمثله وردة من كونها صوت اللهجات المدنية العربية فلا هي تنتمي إلى الريف ولا البداوة. تمثل المدن هي حنجرة مدينة بامتياز. وربما تصدق مقولة محمد عبدالوهاب "صوت يجمع قارات العالم المطلة على البحر المتوسط: آسيا وأوروبا وأفريقيا". وتشكل أعمال بلال الزين، ولعل من أشهرها ما قدمه لفضل شاكر "وافترقنا، روح" (2008)، صوتاً يمثل اللهجة اللبنانية البيروتية الوسطى بين اللهجة الشعبية (الجبلية- البدوية) التي تمثلها صباح وسميرة توفيق بأعمال فيلمون وهبي ورفيق حبيقة ونجوى كرم بأعمال جورج ماردروسيان وسواه، وبين اللهجة القروية المتمدنة (المنقحة والممزوجة)، والتي تمثلها أعمال زكي ناصيف والأخوين رحباني وصولاً إلى زياد الرحباني ومروان خوري وزياد بطرس، واللهجة البيروتية تمثلها أعمال توفيق الباشا وإيلي شويري وملحم بركات ووجدي شيا وإحسان المنذر.. وبرغم أن وردة قد غنت أعمالاً من ذات هذه المدرسة يوم كانت في بيروت بين عامي 1957-1959 وهي أعمال لحنها كل من عفيف رضوان ومحمد محسن وفيلمون وهبي فهي تعود إلى من يمثل المدرسة تماماً كما كان منذ البداية مع محمد الجموسي في باريس وبليغ حمدي وصلاح الشرنوبي في مصر وبلال الزين في لبنان. وتتشابك هذه الأغنية في صياغتها اللحنية ومضمونها النصي مع التوليفة الورداوية حيث كما قلت بأنها تكمل حلقات "قصة الحب" أو "قضية حب في القرن العشرين: ووردة وبليغ حمدي". لقد كانت وردة سكناه من ذعره الوجودي من الزمن، وكان هو ملجأها من قلقها الإنساني من الغربة.