وهذا ثاني نثار أكتبه في هذا الموضوع، والذي يدفعني إلى الكتابة عنه مرة أخرى الطرق المسدودة أمام الشباب السعودي في سوق العمل، والتي لم تنجح وزارة العمل في فتحها، وأنا هنا لن أتحدث عن خريجي الثانوية أو عن خريجي الجامعة الذين يقال - إن حقاً وإن كذباً - إنهم غير مؤهلين لمتطلبات سوق العمل، وإنما أريد أن أتحدث عن خريجي الكليات التقنية والمعاهد المهنية الذين بذلت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب والمهني جهوداً جبارة لتهيئتهم لسوق العمل من خلال الاجتماعات العديدة التي عقدتها مع رجال الأعمال وأعضاء الغرف التجارية وتغيير برامج الدراسة ومعاييرها وفقاً لمتطلباتهم، ومع ذلك يجدون سوق العمل مقفولة أمامهم والسبب الأجور المتدنية التي يتقاضاها العمال الوافدون إذ لا يتجاوز أجر المشرف على محطة بنزين مثلاً مبلغ ستمائة ريال وكذلك الحال بالنسبة لعمال ورش السيارات، وإذا كانت شركة مثل شركة عبداللطيف جميل قد أسست معهداً لتدريب السعوديين واستعانت بمدرسين يابانيين وبعثت المتفوقين لمزيد من التدريب في اليابان، كما أن شركة جنرال موتورز تنوي إنشاء معهد مماثل فإن أغلب الورش ولاسيما التي لا تنتمي إلى وكالة من وكالات السيارات لا تدفع للعامل أكثر من ستمائة ريال هذا عدا أنها تستخدم قطع غيار مشلحة أو مقلدة أي أن المتضرر ليس السعودي الباحث عن عمل فحسب بل السعودي الذي يسعى لإصلاح سيارته، ومع الأسف فإن وزارة العمل ووزارة التجارة غافلتان عما يصنعون، ونفس الحال يحدث في المطاعم الطهاة والجرسونات الذين يتقاضون أيضاً رواتب متدنية وبالتالي فإن مستوى نظافتهم متدن وخلوهم من الأمراض مشكوك فيه حيث لا يقوم صاحب العمل بالفحص الطبي الدوري عليهم كما أن وزارة الصحة غافلة عنهم، ولهذا نسمع بين وقت وآخر عن حوادث تسمم، وطبعاً فإن باب هذه الوظائف مقفول أمام السعوديين الذين يتخرجون من معاهد طهي أو معاهد للتدريب السياحي إذ من المستحيل أن يرضوا بهذه الرواتب أو يقبلوا بالعمل في البيئة غير الصحية لهذه المطاعم وليت وزير العمل أو وزير الصحة أو وزير التجارة يقوم بزيارة لهذه المطاعم أو لمطبخ من مطابخ المندي ليتأكد من أن العمالة الرخيصة تعني التلوث والتسمم والأمراض، والحل الوحيد هو وضع حد أدنى ملزم للأجور، إذ لا أتصور إذا نفذ ذلك أن يقوم صاحب ورشة أو مطعم بتعيين عامل غير مدرب بمبلغ 2500 ريال مثلاً، وأذكّر وزير العمل بما قاله هو أو الوزير السابق أنه لو كانت هناك أجور رخيصة في مصنع كمرسيدس لما استطاع أي عامل ألماني أن يجد عملاً فيه والسبب أن هناك نقابات عمال تفرض على المصانع حداً أدنى من الأجور يضمن للعامل المستوى المقبول من العيش كما تحميه من التضخم والبطالة، وهذا ما يجب أن تقوم به وزارة العمل في بلادنا إلى أن يأتي الوقت الذي تسمح فيه الدولة بهيئات للعمال أسوة بهيئات المهندسين والصحفيين ورجال الصناعة والأعمال (الغرف التجارية والصناعية).