تحل اليوم الذكرى الثامنة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملكاً على البلاد، حيث تبوأت المملكة في عهده -حفظه الله- مكانة مرموقة بين مصاف دول العالم سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وأمنياً، وتحقق فيها لأبناء هذا الوطن المزيد من التقدم والازدهار، والسير قدماً في ركب العالم الأول، إلى جانب تأسيس مسار العمل المؤسسي في الداخل، وزمالات عالمية مؤثرة في الخارج، بعيداً عن الانفعال والضجيج الإعلامي ورفع الشعارات والخطب العصماء. وشهد هذا العهد الزاهر التأسيس والتدشين للعديد من المشروعات التنموية الضخمة في كافة المناطق، وضخ لمواطنيه أضخم ميزانية في تاريخ المملكة، شملت مشروعات تجاوزت تكاليف إنشائها وتنفيذها مليارات الريالات، لتعم "التنمية المستدامة" كافة أرجاء الوطن، وتتزامن معها "حركة التغيير"، و"الانفتاح المسؤول"، و"محاربة الفساد"، وانحسار التطرف والغلو أمام مد "الوسطية"، والحوار البناء؛ لتتحقق معها تطلعات قائد سبق شعبه في رؤيته التنويرية، وأذهل العالم وهو يتابع أحلام "ابن الصحراء" تتحقق واقعاً ملموساً خلال سنوات محدودة. البيعة..ميثاق وعهد بين القيادة والمواطنين يحقق «لزوم الجماعة» وحماية مصالح الوطن وعد فأنجز لقد عاشت المملكة خلال السنوات السبع الماضية تحولات كبرى داخلياً وخارجياً، واكبها العديد من المنجزات والتطورات والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، والحضور السياسي المتميز على خارطة صانعي القرار العالمي، وبناء المواقف والتوجهات من القضايا الإقليمية والدولية، حيث نجح الملك عبدالله في جعل "محور الرياض" بارزاً في صنع القرارات الأممية والإقليمية، وتوظيف الثقل السياسي والاقتصادي لبلاده لخدمة الأمة وقضاياها، والإبقاء على "الصوت العربي والإسلامي" بوحدته ونبذ خلافاته مؤثراً في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته، وهيئاته، ومؤسساته، كما تمكن الملك عبدالله بحنكته وحكمته خلال السنوات الماضية من نزع فتيل الاحتقانات الإقليمية العربية، وعودة روح التعاضد العربي والخليجي إلى أفضل مستوياته. وعلى الصعيد الداخلي تحقق لشعب المملكة في عهد الملك عبدالله العديد من الانجازات المهمة، تضاعفت معها أعداد الجامعات إلى أكثر من (34) جامعة حكومية وأهلية؛ لتواكب مستوى التطور الذي تشهده البلاد، وزادت أعداد الطلبة المبتعثين إلى نحو (150) ألف طالب وطالبة، كما أسس -حفظه الله- خلال عهده الزاهر أكبر مدينة جامعية للبنات في العالم، وافتتح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" والتي تمثّل نقطة تحول كبرى في مسيرة التعليم العالي، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على الصعيد العالمي، كما شهدت البلاد خلال هذا العهد الميمون العديد من المدن الاقتصادية، كمدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، ومدينة جازان الاقتصادية، ومدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة، إلى جانب مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض الذي تتسارع عجلة العمل فيه ليلاً ونهاراً لإنجازه. وواصل "الملك القائد" سن العديد من الأنظمة وبناء دولة المؤسسات والمعلوماتية في شتى المجالات، وخدمة وطنه ومواطنيه في كل شأن، وفى كل بقعة داخل الوطن، كما واصلت "القيادة" الحفاظ على الثوابت الإسلامية، كما هو نهج الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- فصاغت نهضتها الحضارية ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. ويؤكد المتابعون للتحولات الكبرى التي تشهدها المملكة خلال عهد الملك عبدالله أن ما حققته المملكة من إنجازات، وما تم خلال السنوات الماضية من منجزات، تعد "مرحلة استثنائية"، ويشهد على ذلك المكانة المتقدمة التي تحتلها هذه البلاد بين دول العالم، وعجلة النمو والتطور التي تحركت سريعاً في كافة أرجاء هذا الوطن، والعمل بروح "الشراكة المسؤولة" مع المواطن؛ ليبقى الوطن للجميع ومعيار كلّ واحدٍ منّا على قدر عطائه وإخلاصه. "الرياض" تستعرض في هذا التقرير مفهوم البيعة، وأحكامها، وتاريخها، ومضامين الخطاب الملكي الضافي الذي ألقاه خادم الحرمين لدى توليه مقاليد الحكم في البلاد. مفهوم البيعة البيعة هي عقد من طرفين بين الحاكم والرعية، يتضمن التزام الحاكم إقامة الدين وتطبيقه وسياسة الدولة، وعقد بالتزام الرعية بالسمع والطاعة، ولكل من الطرفين واجبات وحقوق كفلتها الشريعة الإسلامية، قال الله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً). ويقول ابن كثير في تفسير الآية: أي أن الله ماض معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، وللبيعة ثمار على الفرد والمجتمع حيث تحقق لزوم جماعة المسلمين في التزام البيعة وعدم مفارقة الجماعة والمحافظة على المصالح العامة والخاصة إلى جانب أن عقد البيعة فيه صلاح الناس والبلاد ووقاية المسلمين بأنفسهم من الفتن، كذلك دخول المسلمين في ساحة الأمان والنجاة من الوعد الشديد في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" (رواه مسلم). عهد على «الولاء» للقيادة و«الانتماء» للوطن و«الشراكة المسؤولة» في التنمية المستدامة والبيعة ميثاق وعهد ووضع اليد في اليد بقصد البيعة هي ميثاق غليظ، وعهد مسؤول: (ان العهد كان مسؤولاً)، وهي واجبة على الرعية كلها، من باشرها بوضع اليد فقد أعلن وباشر، ومن لم يمكنه ذلك فبايع باللسان أينما كان، ومن لم يمكنه ذلك فيعقد النية في قلبه على ما بايع عليه جماعة المسلمين، ليدخل تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم" (أخرجه الترمذي). تاريخ البيعة وبالعودة لتاريخ البيعة كانت أول بيعة في تاريخ المسلمين هي بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية وبيعة الشجرة، ولكن تلك المبايعات كانت لنصرته صلى الله عليه وسلم وليست للخلافة، أما أول بيعة للخلافة فهي مبايعة أبي بكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأول تطبيق لنظام البيعة في العصر الحديث كان على يد الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما اتفقا على تأسيس الدولة السعودية الأولى انطلاقاً من تجديد الدين وإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة الإسلامية. وبعد انتقال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد إلى رحمة الله في السادس والعشرين من جمادى الآخرة 1426ه، الموافق الأول من أغسطس 2005م بويع ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- ملكاً للمملكة العربية السعودية. خطاب البيعة يجد المتابع لخطابات البيعة لملوك المملكة التأكيد على التمسك بكتاب اللّه وسنة نبيه منهج حياة في كل صغيرة وكبيرة، حيث اتسم خطاب البيعة للملك عبداللّه بالتأكيد على السير على النهج الذي سنه مؤسس المملكة واتبعه من بعده أبناؤه الكرم، معاهداً اللّه ثم الشعب باتخاذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً وأن يكون شغله الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين بلا تفرقة. وفي كلمته -حفظه اللّه- التي وجهها قال خادم الحرمين الشريفين للمواطنين والمواطنات بمناسبة البيعة: "اقتضت ارادة اللّه -عزّ وجل- أن يختار إلى جواره أخي العزيز وصديق عمري خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -تغمده اللّه برحمته وأسكنه فسيح جناته- بعد حياة حافلة بالاعمال التي قضاها في طاعة اللّه -عزّ وجل- وفي خدمة وطنه وفي الدفاع عن قضايا الامتين العربية والإسلامية. في هذه الساعة الحزينة نبتهل إلى اللّه -عزّ وجل- أن يجزي الراحل الكبير خير الجزاء عما قدمه لدينه ثم لوطنه وأمته وأن يجعل كل ذلك في موازينه وأن يمن علينا وعلى العرب والمسلمين بالصبر والأجر. الملك عبدالله «وعد فأوفى» في إرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة.. أيها الأخوة.. انني اذ أتولى المسؤولية بعد الراحل العزيز وأشعر أن الحمل ثقيل وأن الامانة عظيمة أستمد العون من اللّه -عزّ وجل- وأسأل اللّه سبحانه أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سنه مؤسس المملكة العربية السعودية العظيم جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب اللّه ثراه- واتبعه من بعده أبناؤه الكرام -رحمهم اللّه- وأعاهد اللّه ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً وأن يكون شغلي الشاغل احقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، ثم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة، وألا تبخلوا علي بالنصح والدعاء. واللّه أسأل أن يحفظ لهذه البلاد أمنها وأمانها ويحميها ويحمي أهلها من كل مكروه ولا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم". خطة عمل ويرى المراقبون أن الخطاب التاريخي للملك عبداللّه بمناسبه البيعة يعد خطة عمل مستمرة لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية للمجتمع، كما تظهر مبادئ الملك عبداللّه في العمل، حيث جاء تأكيده -رعاه الله-، على خدمة المواطنين كافة بلا تفرقة في جميع المناطق، وفي قوله أعاهد اللّه أولاً ثم أعاهدكم أن اتخذ الِقرآن دستوراً والإسلام منهجاً تأكيد وإعلان للعالم باستمرار هذه الدولة على نهج الكتاب والسنة، وأن المملكة لن تحيد عنهما مهما كان، ومما تضمنه خطاب البيعة أيضاً تأكيده -رعاه اللّه- على أن يكون شغله الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة، كما تعطي مبادئ الملك عبداللّه في العمل دلالات على ما يختزنه في ذاكرته من قيم ومبادئ ورثها عن والده المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- والعمل بها. تلاحم ووحدة وسمع وطاعة للملك المفدى الملك عبدالله يلقي خطاب البيعة التاريخي خادم الحرمين يتلقى بيعة المواطنين قصر الحكم شاهد على مراسم البيعة لقادة هذه البلاد تتجسد فيه معاني الوحدة في أبهى صورها