نشرت الشركات المساهمة جميعها وفي زمن قياسي مقارنة مع ما تعودنا عليه في السنوات السابقة بياناتها المالية بعد نهاية الربع الثاني (منتصف العام)، وهو أمر يجب الاعتراف أنه تقدم واضح في طريق طويل نحو سوق مالية قوية وشفافة يحسب لهيئة سوق المال ومجلسها الموقر، وقد كنا نعاني من عدم نشر البيانات المالية لبعض الشركات المساهمة في السابق بحيث انه كان يمر العام والعامان دون الحصول على بيانات بعض الشركات التي تعيش حالة سبات مستمر طوال فصول السنة، ولكن لم يكن هناك من يحاسب هذه الشركات وبالتالي إذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون. ولكن الصورة تغيرت كثيرا منذ مباشرة الهيئة أعمالها قبل سنة وشهر تقريباً. وقد استرعى اهتمامي من خلال متابعة البيانات المالية المنشورة لبعض الشركات أن هناك معدلات أرباح عالية حققتها غالبية تلك الشركات خلال الربع الأول والربع الثاني (منتصف العام)، وصلت في بعض الشركات إلى أكثر من 6000٪ (نعم ستة ألف بالمائة ولا يوجد خطأ مطبعي)، ولكن بعد مراجعة تلك الأرباح المنشورة وبشكل عام وليس جميع الشركات، اتضح أنه من الضروري تحديد من أين جاءت تلك الأرباح وما هي مصادرها؟ هل هي العمليات التشغيلية والرئيسية لتك الشركات أم هي استثمارات وبالذات استثمارات في أسهم محلية؟ وهو ما سوف نحاول الإجابة عليه من خلال استعراض بعض الشركات التي نرى أنها حققت أرباحا بنسب كبيرة من الاستثمارات وليس من أعمالها الرئيسة (أرباح تشغيلية)! وقد قمنا بمراجعة عدد كبير من البيانات المالية للشركات المساهمة المنشورة عبر الصحف المحلية، ولاحظنا أن عددا محدوداً من تلك الشركات حقق نتائج باهرة وملفتة للانتباه، لكن ومع الأسف عند التدقيق فيها (أي الأرباح المحققة) نجد أنها ليست أرباحا تشغيلية تم جنيها من خلال النشاط الأساسي والرئيس لتلك الشركات ولكنها أرباح استثمارية لا تمت بصلة لأعمال الشركة التي من أجلها أسست. وهنا وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد حققت شركة مجموعة صافولا صافي أرباح بلغ 218,6 مليون ريال وبنسبة نمو سنوية بلغت 40٪ مقارنة مع نفس الفترة من العام 2004م، يمثل صافي دخل الشركة من الاستثمارات 157,1 مليون ريال حيث تشكل تلك الأرباح 61٪ من صافي الدخل قبل الزكاة الشرعية، وهي نسبة كما ترون عالية جدا ولا تمثل أعمال الشركة الرئيسية، فيما يشكل الدخل من العمليات التشغيلية 40٪ فقط. كذلك الحال مع شركة الصناعات الزجاجية الوطنية «زجاج» التي حققت صافي دخل عام بلغ نحو 54,8 مليون ريال وبنسبة نمو سنوية بلغت 137,2٪ منها أرباح من استثمارات في أوراق مالية بنحو 15,1 مليون ريال تمثل نسبة 27,6٪ من صافي الربح الإجمالي للشركة، فيما تشكل أرباح الشركة من عملياتها الرئيسية نحو 19,5٪، وتوزع الباقي بين أرباح غير محققة من محفظة استثمارية في أوراق تجارية 9,2 ملايين ريال ونحو 21,2 مليوناً من أرباح استثمار في شركات زميلة. أيضا ينطبق نفس الكلام على شركة عسير التي حققت صافي أرباح في نهاية منتصف العام بلغت نحو 131,2 مليون ريال وبنسبة نمو عن الفترة المماثلة من العام الماضي 144,8٪ منها نحو 105,8 ملايين ريال محققة من خلال دخل استثمارات والموجودات المالية في الشركة، وهو الأمر الذي يعني أنها تشكل نحو 40,2٪ من إجمالي أرباح الشركة التشغيلية ودخل الاستثمارات. كذلك لدى الشركة نحو 286,2 مليون ريال عبارة عن استثمارات في شركات مساهمة متداولة حيث حققت الشركة مكاسب أصولية مستفيدة من إعادة التقييم بلغت نحو 274,2 مليون ريال حيث لم تكن قيمة تلك الاستثمارات تتجاوز 10,3 ملايين ريال فقط. وأخيرا شركة طيبة للاستثمار والتنمية العقارية حققت صافي أرباح في نهاية منتصف العام بلغت نحو 58,7 مليون ريال في نهاية الربع الثاني من العام 2005م وبنسبة نمو مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق 86,9٪، والملاحظ أن أرباح بند إيرادات أخرى (نفترض أنها استثمارات في أسهم) بسبب عدم إفصاح الشركة عن تفاصيل تلك الإيرادات وحيث انها ليست من العمليات الرئيسية للشركة فقد بلغت 38,3 مليون ريال تمثل تلك الإيرادات نحو 65,2٪ من صافي أرباح الشركة المشار إليها أعلاه. وبطبيعة الحال فإن ذلك يثير العديد من الأسئلة ومنها ماذا لو تراجعت القيمة السوقية لتلك الاستثمارات؟ ماذا سوف يكون عليه مصير تلك الشركات؟ وما هي مستويات المخاطر التي تتحملها الشركة في سبيل تحقيق تلك الأرباح؟ ألا يسبب ذلك انحراف عن أهداف الشركات الرئيسية والتي من أجلها تم تأسيسها؟ كيف يستطيع من يرغب في الاستثمار في تلك الشركات تقييمها بناء على طبيعة عملها إذا كانت معظم أرباحها تأتي من استثمارات لا علاقة لها بالأعمال الرئيسية للشركة؟ هل هذه الشركات أصبحت مؤسسات مالية ولم تعد شركات صناعية أو خدمية؟ وفي الختام أعتقد أنه من المناسب إجبار تلك الشركات على الإفصاح بشكل أكثر وضوحاً عن تلك الاستثمارات خصوصا أنها تشكل نسبة كبيرة من أرباح تلك الشركات وبالتالي ينطبق عليه مفهوم الأهمية النسبة المحاسبي لهذه البنود. كما أنه من المناسب توحيد طرق الإفصاح حيث يوجد تفاوت كبير بين شركة مساهمة وأخرى في طبيعة الإفصاح كما نلاحظ من البيانات المالية المنشورة وهو أمر يصعب المهمة على قراء تلك القوائم الذين يسعون إلى إجراء مقارنات بين الشركات المتماثلة والتي تعمل في نفس القطاع، حيث نشاهد طرق إفصاح ومستويات شفافية مختلفة وبالتالي يصعب علينا المقارنة بينهما. ٭ محلل مالي