"هل يشرب الدخان؟"، "هل يسهر خارج المنزل؟"، "هل يسافر؟"، "وين يشتغل؟"، أسئلة يكاد يُتفق عليها في معرفة شخصية الخاطب، عبر الاكتفاء بما يسمعه الأب من إجابات، خاصةً إذا أتت من أُناس ثقاة. وتُعد مسؤولية اختيار الزوج للفتاة أمانة ومسؤولية أمام الله عز وجل أولاً، من خلال حرص أولياء الأمور على أدائها، إلى جانب التقصي عن الخاطب، سواء في دينه أو أمانته أو سلوكه، حتى يضمنوا للفتاة حياة سعيدة ومستقرة، لعلمهم أن مبدأ الدين والأمانة التي أوصى بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي ركائز رئيسة في استقامة باقي الأمور، وهي التي تدفع بالزوج إلى تحقيقها بعد ما يشعر أنه أصبح مسؤولاً عن زوجة وأبناء. وساعد المسجد الآباء في معرفة بعض الأمور عن الخاطب، حيث يُعد من أهم حلقات التواصل ومقاييس الصلاح، فكثيراً ما كان يوفر عليهم عناء البحث والسؤال، بمجرد أن يشهد للشاب عدد من الجماعة بأنه من المواظبين على الصلوات خاصةً الفجر. مساعدة الأقارب وفي ظل التباعد الذي طرأ على المجتمع حالياً، خاصةً داخل الحي الواحد، ازداد الأمر تعقيداً، وظهرت الحاجة إلى السؤال والتقصي عن الخاطب عبر سلسلة من الأصدقاء والأقارب، على الرغم من خطورة تدخل العواطف والغايات بين ناقل وآخر. وجرت العادة أن ولي أمر الفتاة عند ما يتقدم إليه شاب لا يعرفه، أو من الأقارب ولا يعرف عن سيرته شيئاً، يطلب مهلة للسؤال والتشاور، ويبدأ بعد ذلك الاتصال بمعارفه وأصدقائه ومن يثق بهم من المحيطين أو القريبين من هذا الشاب؛ لجمع أكبر قدر من المعلومات، إلاّ أن الخطورة تكمن في تداخل الأهواء بين شخص وآخر في تحديد هوية الخاطب، كأن يقال عنه كلاماً سلبياً وهو مستقيم، أو العكس، لهذا فإن بعض أولياء الأمور عند ما يأخذ رأي أحد الذين يثق بهم يحاول تعزيز أو تأكيد ما تم نقله من مصادر أخرى مختلفة. أسئلة أخرى ويأتي السؤال الرئيس الأهم عن الخاطب وهو "أين يعمل؟"، ثم تتوالى بعد ذلك بقية الأسئلة عن السلوكيات والأمور المتعلقة بالماديات، سواء عن الأحوال المعيشية أو الأسرية أو السكن، وقد تدخل تفاصيل أدق عن مقدار الراتب، وهل عليه التزامات أو أقساط شهرية، وكذلك نوع السيارة، ومكان قضاء الإجازات الصيفية، وهل السكن مُلك أو إيجار؟، مع تنوع الأسئلة التي تختلف باختلاف البيئة والثقافة. سفر وتدخين وذكر أحد الأشخاص أن أحد معارفه - يقيم في منطقة أخرى - أتصل ليسأله عن جاره الذي تقدم لخطبة ابنته، حيث تركزت أسئلته حول السلوكيات؛ "هل هو راعي سفر؟"، "هل يسهر في الليل؟"، وكرر أكثر من مرة "هل يشرب الدخان؟"، مضيفاً أنه حاول تحاشي الإجابة على هذا السؤال بطريقة غير مباشرة، عبر محاولة إقناع السائل أن التدخين لا يُعد عيباً يستوجب الرفض، وأن كثيراً من الفتيات الصالحات استطعن بعد الزواج إصلاح سلوكيات أزواجهن ومنها آفة التدخين، وكتب الله لهم الخلاص من هذه العادة بفضل الله ثم جهودهن. نصب واحتيال وعلى الرغم من حرص الآباء وأولياء الأمور على البحث والتقصي عن الخاطب، إلاّ أن كثيراً منهم اكتشف في وقت متأخر أنه تورط إمّا بمدمن مخدرات، أو طامع بثروة أو راتب الزوجة، لتنكشف خباياهم أمام الناس من خلال الدخول إلى المحاكم. وشهدت إحدى المحاكم قبل سنوات قليلة قضية رجل تقدم لخطبة فتاة يقطن والدها إحدى القرى البعيدة، ولا يربطهم سابق معرفة به، وعندما سأله عمن يتشاور مع أسرته ويسأل عنه، قال له: "أنا فلان الفلاني، وأعمل مسؤولاً في الإدرة الفلانية، وفي المدينة الفلانية"، ليبدأ ولي أمر الفتاة بالسؤال والبحث عن هذا المسؤول الذي ذكره بالاسم ويعرفه الجميع، فتأتي كل الأخبار عنه سارة ومفرحة، حيث أثنى عليه الجميع وامتدحه ديناً وخلقاً، إلى أن تم "عقد القران"، وحدد موعد الزواج، ووزعت رقاع الدعوة، ليكتشف الأب في آخر لحظة أن نسيبه الجديد ليس إلاّ محتالًا أستغل تشابه اسمه مع اسم المسؤول الذي ذكره، لتأخذ القضية منحى آخر ويفصل بها القضاء. بدون سُكر ومن الأسئلة العملية أو التطبيقية غير المباشرة ما تتناقله "المسامرات" وبعض مواقع التواصل الاجتماعي من بعض النكت الإسقاطية، نذكرها من باب الترفيه، ويقصد فيها كبار السن الذين يتقدمون إلى خطبة فتيات صغيرات وهم غير قادرين على أداء واجباتهم الزوجية. من ضمن تلك القصص أنه في إحدى المناطق عندما يتقدم إليهم أحد كبار السن فهم لا يسألونه بطريقة مباشرة عن بعض الأمور المتعلقة بالصحة العامة، إنما يقدمون له على سبيل المثال نوعين من الشاهي أحدهم مُحلى والآخر بدون سكر، ثم يُخيّر بينهما، فإذا ما اختار الخالي من السكر عرفوا أنه مصاب بداء السكري. وفي منطقة أخرى يخضع كبير السن إلى اختبار فعلي عندما يطلب منه لبس "سروال" وهو واقف، فإذا ما اتكأ أو استند الى الجدار، عرفوا أنه منهك ومصاب بأمراض المفاصل!.