تقمص الشاب "ممدوح" شخصية "محقق سري" من أجل أن يجمع أكبر قدر من المعلومات عن خطيب أخته "سهيلة"؛ مما أضطره لأخذ إجازة من عمله ليتفرغ لهذا العمل الشاق، ويطمئن على مستقبل هذا الزواج، فقد كان يخرج منذ ساعات الصباح الباكر لأداء الصلاة في المسجد القريب من الحي الذي يقطن فيه، ويتأكد من أنه يصلي الفجر في المسجد -كما أكد له عندما حضر لخطبة أخته-، في الوقت الذي حرص فيه أيضاً على عقد صداقة ودودة مع حارس العمارة التي يقطن بها زوج المستقبل، على اعتبار أن هذه العمالة قد تملك "ثروة" من المعلومات عن ساكني الأحياء، وسؤاله عن أحوال "الخاطب" وحسن تعامله مع الجيران، وهل يدفع اجرته الشهرية نظير تنظيف سيارته، وقضاء حوائج الأسرة من البقالة القريبة من بيتهم. ويدوّن "ممدوح" كل ملاحظة يظفر بها من جيران حي الشاب الذي خطب اخته في ورقه، تمثل لديه صيداً ثميناً يسلمها لأخته مع نهاية كل يوم من هذه المهمة السرية التي استمرت أكثر من اسبوعين، تبعتها مرحلة ثانية من عملية "رصد المعلومات" التي وردت على شكل "مقابلة شخصية" تم الاستفسار خلالها عن معرفة جوانب شخصيته أبرزها هواياته، وأحلامه، وميوله الرياضية، خوفاً من أن تكون ميوله سبباً لخلافات مستقبلية، كل هذا قبل أن تقرر "سهيلة" موافقتها بتردد على ذاك الزوج بعد توكلها على الله، ثم التقارير اليومية التي وافاها بها شقيقها "ممدوح". أسر تعاني في البحث عن المعلومة وتلجأ إلى«أساليب تقليدية».. إمام المسجد وزملاء العمل مهمة شاقة إن ثقافة السؤال عن "الخاطب" أصبحت مهمة شاقة محفوفة بالمخاوف بالنسبة لأهل العروس، وذلك بسبب ضعف المعلومات التي تصل عن الخاطب، أو عزوف البعض عن المشاركة في الرأي بشكل قد يبعث الخوف لدى أهل العروس، وفي أحيان أخرى تكون الإجابات "معتمة"، وقد تسبب خلافات بين الزوجين بسبب عدم صحة المعلومات الأولية التي قد تنكشف أحيانا خلال "شهر العسل". قطيعة أبدية تعرضت صداقة "طلال" و"عصام" إلى قطيعة أبدية بسبب ارتباط الأول بشقيقه صديق عمره عصام والتي كانت بدافع توطيد علاقة الصداقة إلى صلة رحم بينهم، وعند سؤال والد عصام عن صديقة امتدحه كثيراً، واعتبره بمثابة الزوج المثالي لأخته الوحيدة، وأن عِشرة السنوات الطويلة بينهما كانت كفيلة بأن تخمد مخاوف الأسرة من جوانب لا تبدو ظاهرة لهم. وانكشفت "الحقيقة المُرة" بعد مرور السنة الأولى للزواج والتي بدأت فيها معاناة الزوجة مع زوجها صديق العمر بالنسبة لأخيها، فقد كان زوجاً لا يطاق بصورة مغايرة لحقيقة تعامله مع أصدقائه، فهو رجل بخيل لا يتكلم إلا بلغة "الضرب" الذي تسببت في إسعاف الزوجة لأكثر من مرة عن طريق الطوارئ.. عندها طلب "عصام" من صديقه "طلال" بأن يطلق أخته احتراماً لعشرة الصداقة التي انتهت عند هذا الحد. التأخير في الرد أكثر مما يجب قد يكون سبباً لعنوسة الفتاة الصديق الزوج وتتشابه القصة السابقة مع قصة السيدتين "فاتن" و"عفاف" اللاتي جمعتهما سنوات الدراسة والعمل أيضاً، لتتوج رغبتهما في توطيد هذه العلاقة إلى ارتباط أسري بين ابنة "فاتن" الطبيبة وابن "عفاف" رجل الأعمال الذي يدير أعمال والده التجارية. وفي التفاصيل فقد كانت مراسم حفل الزفاف أشبه بحكايات "ألف ليلة وليلة" والتي استعدت لها الصديقتان على اعتبار أنها مناسبة العمر التي لا تتكرر، حيث تشعر "فاتن" بالسعادة كون زوج ابنتها متعلم، ورجل مجتمع مشهود له باخلاقه، وتتمناه كل فتاة، خاصة وأنه تربى مع أبنائها، وأصبحت مسألة السؤال عنه ليست بالمهمة، وبعد انقضاء شهر العسل في أرقى الدول الأوروبية عادت الزوجة إلى بيت أسرتها غاضبة من تجاهل وإهمال زوجها الذي كان يحن إلى "شلة" أصدقائه ويتواصل معهم عبر مواقع الدردشة في "النت" خلال السفر. تزكية خاطئة وروى العم "حسين" ما حدث لابنته، مشيراً إلى أن أحد أصدقائه "سامحه الله" -كما قال- زكّى خاطب ابنته، كما هو حال المقربين منه، حيث شهدوا له بحُسن أخلاقه، مما دفعه لتزويجه، ومن هنا تحولت حياتهم إلى "جحيم" لا يطاق طيلة عشرين عاماً مضت، مازالت تفاصيلها حتى اللحظة جاثمة فوق رؤوسهم، فابنته طُردت من بيتها وهي حامل في الطفل الخامس منذ أكثر من سبعة سنوات، ولديها ثلاثة أبناء آخرين، وحتى اللحظة تعيش معه صراعاً من أجل تطليقها منه، بعد أن ثبت أنه رجل سيئ العشرة، ومدمن للمخدرات. وطالب في سياق حديثه الآباء بضرورة تقصي حقيقة كل من يتقدم إليهم لخطبة بناتهم، داعياً الأشخاص الذين تؤخذ آرائهم ب"الأمانة" وعّد كل فتاة يأتي ولي أمرها للسؤال عن خاطبها بأنها إحدى بناته، ومراعاة الله في الإجابة، وألاّ تنعكس "المصالح الشخصية" على "تضليل الحقيقة". الدقة والأمانة وأكد "د.خالد المنيف" -كاتب ومدير مركز التدريب التربوي بمدينة الرياض- على أن الناس أصبحوا يهتمون بتحري الدقة والأمانة عند الإجابة على أسئلة والد العروس، لأن ذلك يتعلق بتحديد المصير، فكلمة واحدة خالية من الصدق والوضوح، قد تتسبب في هدم كيان الأسرة مستقبلاً، مرجعاً خوف الناس من إبداء رأيهم عندما يطُلب منهم بأنه يعود للخبرات القديمة السلبية، والتي تسببت في إحراج الناس من الإجابة، فلو حَدث لا قدر الله عدم اتفاق بين العائلتين، فقد يلام المسئول على ذلك، ولذا أحياناً هناك من يفضل عدم التدخل، مضيفاً: "يجب أن نسأل الناس الثقة والمشهود لهم بالراجحة، ويتسموا بصلة القرب والنزاهة وهي من أهم المعايير للسائل، ويبقى عنصر المفاجأة في الزواج قائم". وطالب بضرورة معرفة الناس لفن الإجابة على الأسئلة، وذلك بأن تكون الإجابات بعيدة عن الضبابية أو عن الإجابات التي تحتمل أكثر من تفسير، بل يجب أن يعطي السائل حقائق عن الشخص ولا يعطي رأيه عنه، وأن يتجنب مدحه بشكل مبالغ فيه، وأن تكون الإجابات بشكل منطقي كأن يؤكد انه شاهده يصلي، وأيضاً يصف تعامله مع زملائه كما شاهده، ولا يقول إنه تعامل معه مالياً إلاّ إذا كان ذلك حقيقياً، وعليه ترك القرار لذوي العروس دون أن تدخل منه. صعوبة معرفة الخفايا ولم يخف "د.المنيف" صعوبة الإجابة عن الأسئلة التي تخص الأشخاص حتى في حال كانوا قريبين من المسئول، مستشهداً بأن الأخوة المتجاورين في البيت الواحد قد يصعب معرفة خفايا شخصياتهم فيما بينهم، فكيف يكون الحال عندما يتم السؤال عن شخص بواسطة أقاربه وأصدقائه. موضوعية وشفافية ووصف "د.إبراهيم الجوير" -عضو مجلس الشورى وأستاذ علم الاجتماع- السؤال عن الخاطب من الإجراءات التي يمر بها كل إنسان عندما تخطب ابنته يسأل عن خاطبها؛ ليتأكد بأنه زوج مناسب لابنته، مبيناً أن من الأمانة أن يجيب المسئول عن المعلومات التي يعرفها عن هذا الخاطب بكل يسر وأمانة وموضوعية وشفافية، ولكن الذي يسأل عن هذا الخاطب، لابد أن يكون لديه أسئلة محددة وواضحة وهدف يريد الوصول إليه، مضيفاً بأن الناس عادة يهتمون للوضع المادي للخاطب، وهناك من يسأل عن أخلاقه، وتعاملاته مع الآخرين، وأمانته، وتدينه، وتفاصيل حياته وأسرته، ومستواه التعليمي، وهذه الأسئلة يجب أن تكون واضحة عند السائل من أجل الحصول على الإجابة الدقيقة. وأشار إلى أن العلاقات الاجتماعية في المدن أصبحت نفعية وسطحية ومؤقتة، فأصبحت معرفة الشخص بالآخر غير عميقة ودقيقة، بل تتسم بالغموض، لذا فالمعرفة تكون سطحية وقد لا تمكن من إعطاء المعلومة الصحية عن ذلك الشخص، مؤكداً على أن المسألة تحتاج إلى دراسة متقنة من أجل الوصول إلى تلك الأسئلة والإجابات للشخص المناسب والفتاة المناسبة.