العاصمتان التاريخيتان للدولة الأموية دمشق، وللعباسيين بغداد يقودهما حاكمان بهواية طائفية، ومرتهنان لإيران التي جعلت من أهم أهدافها اغراق المنطقة بحروب أهلية تقسم البلدين وهو المشروع الذي فكرت به إسرائيل منذ أزمنة طويلة لتحويل الكيانات العربية إلى دويلات أو «كانتونات» متصارعة على جغرافيا تحدد هويتها الطائفة أو العشيرة، لكن إيران هي من قام بالدور في هذين البلدين وفق دعم من قوى خارجية سعت أن تكون المنطقة بؤرة صراع طويل يفتت وحداته الوطنية، وتغرقه خلافاته الطويلة.. حكومة دمشق قادت التدمير وفق خطط مرسومة، وربما تشهد سوريا أسوأ سيناريو في تاريخها، لكنها ستكون كارثة على جوارها، وتحديداً لبنان والعراق والأخير متشابك معها في خلافات أزلية بدأت مع العصر الإسلامي، وحتى نهاية حكم البعث في العراق، والذي سيلحقه في سوريا، غير أن الموضوع لا يتركز فقط في الدور الذي تلعبه قوى إقليمية وخارجية وإنما بالأدوات التي تحركها حين ظهرت العمالة بكل صورها من الأسد الابن ونوري المالكي، الذي لم يكتف بتمزيق الكيان العراقي، وإنما أضاف إليه حرائق بدأت بالجنوب والوسط حين أعد مقاصله وسجونه في الذبح على الهوية، وغزوات الفجر.. العراق نسيج فيفسائي في تكوينه الشعبي، فهناك قوميات وطوائف وأقليات تاريخية عاشت بلا تمييز، إلى أن أصبحت زعامة المذهب والمرجعية هما من يريد احتكار السلطة، ولعل أحداث الأيام الماضية باقتحام الجيش العراقي لساحات ومواقع المعتصمين، إنذار جديد، إما بربيع عراقي قادم، أو مقدمات لحرب أهلية طويلة، قد تخلق أحلافاً بين القوى التي ترفض أساليب حكومة المالكي، والذي ثبت أنه أكثر قوة وعداء لفصائل وطنية من كل حكومات العراق السابقة.. هناك جدل في العراق، وسؤال يطرح، هل الولاء للعشيرة أقوى من الولاء للمذهب؟.. وهل يرى بعض الشيعة العرب فرزهم عن شيعة إيرانية ذات جذور غير عربية، وبالتالي فإن الحرب على أبناء عمومتهم وأصولهم، سوف يجبر مراجعهم وشيوخهم على العودة للجذور، أي الإنتماء للعشيرة، وأن المالكي يمثل دور إيران في قتل العرب من سنة وشيعة، لأنهم من أرومة تكرهها وتحتقرها إيران، وبالتالي تصبح العشيرة مجال التآلف والتحالف؟.. قطعاً معروف أن الصراع بين السنة والشيعة لم يكن بحدته الراهنة عندما جعل المالكي الولاء للمذهب ثم لإيران منطلق قوته وترسيخ دولته، لكن ما حدث في الأنبار ثم كركوك، وبقية المحافظات العراقية، بضرب تلك العشائر، جدد ردح النعرات القبلية والعشائرية، طالما من يحكم العراق لا يرى من حدود دولته إلاّ ما تسيطر عليه طائفته.. الشيعة العرب كانت لهم مواقف كبيرة ومشرفة سواء بالنضال ضد الاستعمار أو الظلم من الأنظمة، ولم يكونوا يوماً ما أدوات بيد دولة كإيران أو غيرها، لكن مخطط المالكي هو من لعب على هذا الوتر ومكنته أمريكا من خلق هذه الأدوار، لكن النتائج تتجه للأخطر بمعنى أن المالكي سيكون الأسد الآخر، وكلاهما لعبة تحركها ملالي إيران كعميلين ضد وطنيهما..