كان موجعا ومهينا في الوقت نفسه بعد تفجيرات بوسطن، أن تتجه أصابع الاتهام (بصورة سريعة لاواعية) نحو السعوديين، ويتحول كل سعودي إلى إرهابي محتمل أو متهم يجب أن يثبت براءته، ومن خلال هذا التصعيد الإعلامي المحموم سيخوض حتما كل مبتعث ومبتعثة رحلة يومية صعبة ستبدأ من أول خطوة له خارج منزله وسط ضغوط لامتناهية قد تتربص به، تصحبها نظرات الشك والريبة من قبل الشارع الأمريكي الذي تسيطر على أدمغته وتقوده بصورة كبيرة وسائل الإعلام. تذكرت عندها معلقاً رياضياً أجنبياً أخرق صاح عند دخول فريقنا لكرة القدم إلى الملعب (هاهم قد قدموا الإرهابيون) الصورة النمطية وصمة حارقة تلتصق بالجلد ومن الصعب إسقاطها والتخلص منها، لاسيما مع وجود دوائر إعلامية يهمها أن تبقى صورة الإرهاب متصلة بالشرق الأوسط. كم هو صعب أن تتحول ملامحي وطريقة ارتدائي للثياب وخصائص ثقافتي إلى تهمة، وتهمة غريبة يختلط فيها الخوف بالازدراء مع ربط شعوب المنطقة بحالة تخلف وعجز أبدي يعجز عن اللحاق بالركب الحضاري، ولكن يبدو أن الذاكرة الغربية ستحتاج قرونا كي تنسى مشهد البرجين وهم يتهاويان، أو تتجاوز مشهد تفجيرات مترو لندن، أو غير ذلك من الحوادث التي ارتبطت بنا وجعلت من الملامح الشرق أوسطية إدانة بحد ذاتها. الموضوع بالتأكيد متشابك وليس كما يتبدى لنا من الوهلة الأولى، وتتداخل به عدة عوامل وأطراف، وعلى سبيل المثال تنظيم القاعدة (كمتهم محتمل) وإن كان له أذرع داخلية محلية، إلا أنه أيضا يمتلك أذرعاً وخلايا حول العالم يقول المؤلف الفرنسي (أوليفيه روا) في كتابه الجهل المقدس (الأصولية المتطرفة هي الشكل الديني الأفضل تكيفا مع العولمة، لأنه يقوم بإزالة هويته الثقافية الخاصة، ليجعل من هذا طريقا له نحو العالمية). وهذا يعني المزيد من استقطاب الاتباع والمريدين في جميع أنحاء العالم، لكن المفارقة هنا منذ أن أعلنت الحرب الدولية على الإرهاب، بأنه إلى الآن لم تع الدول والقيادات حول العالم، أن الحلول الأمنية وإن كانت ناجعة أحيانا في قمع ومنع فعل عنف إرهابي إلا أن هذا يكون بظرفية مؤقتة، لكن العمل الأمني حتما لن يفلح في تجفيف المنابع والحواضن والمحرضات والمسوغات لهذا النوع من الفكر والنشاط المتطرف. إضافة إلى أن العنف والتطرف هو نتيجة لتراكم عوامل وأسباب أكبر واكثر شمولية، وإن كانت المنطقة عبر التاريخ قد تعرضت لسلسلة متصلة من الأزمات والاحتلال والتقسيم، فإن قضايا العدالة فيها لم تحسم إلى الآن وعلى رأسها (قضية فلسطين) التي كانت ومازالت تقود جميع الاتجاهات الراديكالية في المنطقة إما بشكل مثالي يحلم بالعدالة... أو للمزايدة عبر طلاب السلطة، وأصحاب الأجندات السياسية المستترة. بالطبع هذا الاحتقان يغذيه بصورة كبيرة الكثير من المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتجذرة في العالم العربي، والناتجة عن أنظمة شمولية قمعية متخلفة عاجزة عن تحقيق طموحات شعوبها وآمالهم بالانضمام إلى الركب الحضاري العالمي، وقاصرة عن تحقيق أحلام الشعوب تلك الشعوب بالدولة الحديثة القائمة على الشفافية والعدالة الاجتماعية، وارتفاع سقف الحريات. المنطقة تكابد إرثاً متراكماً من التخلف والاستبداد.. والعنف حتما هو إحدى نتائجه ومخرجاته. في النهاية لابد أن نصيح جميعا بصوت واحد...بأن السعودي ليس بمشروع إرهابي محتمل!! لكن مع الأسف الفيلم الهوليودي الأمريكي بحاجة إلى أن يحدد هوية الأشرار كي يتغلب عليهم الأخيار.. ويصبح الفيلم الأمريكي مكتمل الشروط.