من حق المملكة كغيرها من الدول أن تحافظ على أمنها الوطني، وأن تطبق الأنظمة الرسمية على العاملين الوافدين لمنع الإقامة غير النظامية ومنع احتكار الأعمال وفرص التوظيف على حساب المواطن، لقد وصل حجم العمالة غير النظامية إلى رقم كبير يصعب تجاهله لذلك كان لابد من بدء حملة جادة لإنهاء هذه الفوضى لمالها من آثار أمنية واقتصادية واجتماعية تطلبت اتخاذ قرارات يصعب تأجيلها، نعم يصعب تأجيل قرار هذه الحملة بعد أن سادت الفوضى في سوق العمل وأصبح حتى الوافد غير النظامي ينافس المواطن في ميدان التوظيف، فكان لابد من قرار سيادي قوي ينتقل فوراً الى التنفيذ وليس الى التسويف، وعلى الرغم من التفاوت في الاحصائيات فإن من الواضح وجود عدد كبير جداً من أصحاب الإقامة غير النظامية وهذا وضع خطير له آثاره السلبية في حياتنا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. تلك حيثيات قوية تعطي الحق للمملكة في بدء حملة تفتيشية للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي قد توجد في بلاد أخرى ولكن ليس بنفس النسبة كما أنها لاتصل الى ميدان التعليم فقد كشفت الحملة عن أعداد كبيرة من المعلمين والمعلمات يعملون في المدارس الأهلية بصورة غير نظامية. هذه الحملة وإن جاءت متأخرة فهي ضرورية ونظامية ويجب أن تستمر حتى تحقق أهدافها. إن من ينتقد الحملة هو بالتأكيد محب لوطنه ولا نسمح لأنفسنا أن نتهمه بعدم الوطنية، لكن هذا النقد ينطلق من زاوية مختلفة ترى أهمية الأخذ في الاعتبار التدرج في التنفيذ حتى لا تتعطل الأعمال كما أنهم ينظرون إلى بعد آخر للقضية وهو البعد الإنساني، ولذلك لابد من التوضيح أن هذه الحملة قانونية ولاتتعارض مع حقوق الإنسان فالأمن الوطني هو أولوية كل الدول. نأتي إلى أسلوب تنفيذ الحملة وهنا نتفق مع القائلين بأن يتم التنفيذ بصورة تدريجية انطلاقاً من خطه شاملة بالتنسيق بين كافة الجهات ذات العلاقة مع مراعاة كافة الأنظمة الحقوقية الداخليه والخارجية، والبدء بالفئات الأكثر خطورة على أمن الوطن، وقد جاء توجيه خادم الحرمين الشريفين بإعطاء فرصة للعاملين المخالفين لتصحيح أوضاعهم في مدة أقصاها ثلاثة أشهر. إن الحملة على الأقامة غير النظامية لاتعني الاستغناء عن العمالة ولكن تنظيمها وترشيد استخدامها وهذا يتطلب مراجعة سياسة الاستقدام وإعادة النظر في شروطه ومبرراته، وهناك أسباب كثيرة تبرر هذه المراجعة وأهمها أن استمرار الاستقدام سيجعلنا أقلية في بلدنا حسب تحذير وزير العمل حين قال: إن أعداد العمالة الوافدة يزيد على ثمانية ملايين عامل يستحوذون على معظم المهن والوظائف في القطاع الخاص مشيراً إلى خطورة استمرار هذا الوضع وتأثيراته الأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية الكبيرة، وفي حديث معالي الوزير أشار أن وزارة العمل تعمل على جعل بيئة العمل في القطاع الخاص بيئة جاذبة للسعوديين وأن العمالة الأجنبية تستحوذ على 89% من نسبة وظائف القطاع الخاص، وأن نسبة السعوديين بالقطاع الخاص لاتتجاوز 11% ومانلاحظه على ماسبق أن الأحصائيات التي تعلن هنا وهناك متفاوتة، وهل العمالة غير النظامية التي قيل أنها بلغت خمسة ملايين هي ضمن الرقم الذي أعلنه الوزير وماهو تعريف العمالة غير النظامية، هل هم فئة متسللة أم فئة تعمل في عمل غير الذي أتت من أجله؟ أما القطاع الخاص وتحويله الى بيئة جاذبة للسعوديين فهذا يمكن أن يتحقق ولكن من خلال خطة طويلة المدى تنطلق من استراتيجية السعودة المعتمدة، وحين نقول خطة فهذا يعني الحديث عن مخرجات التعليم، وعن التدريب، والحوافز، وقد يجد المواطن أن بيئة العمل في القطاع الخاص جاذبة ولكن القطاع الخاص لاينجذب الى المواطن لأسباب مختلفة قد يكون أحدها التأهيل، أو التدريب، أو الراتب وغير ذلك من الأسباب، وهذا يعني أن علينا معالجة الأسباب وليس الأعراض. إن هذا الربط بين الحملة على العمالة غير النظامية وبين توطين الوظائف وخفض نسبة البطالة هو ربط غير منطقي حسب رأي البعض. هذا الرأي يرى أن الأعمال التي تؤديها العمالة غير النظامية هي أعمال ليست للسعوديين.