تسرد فرح الكتابة شاعرة مثل فيسوافا شيمبورسكا من بولندا ونسرد هم الكتابة وأرقنا بها. وبين فرح الكتابة وهمها فرق وعلاقة بحالة الكاتب ووضعه السياسي والاجتماعي بحيث تتحول الكتابة من فرح إلى هم . لماذا تتحول الكتابة إلى هم ولاتحيل حياة كاتبها إلى فرح.؟ وهل تحيل الكتابة حياة كاتبها إلى فرح لايصرح به لأنه ربما لايستأنس بمشاعره بل ينغمس في ما أحدثته الكتابة فيه من آلام . أعود إلى فيسوافا التي تكتب : (فوق الورقة البيضاء تكمن للانقضاض الأحرف التي يمكنها أن تنتظم خطا الجمل المحاصرة التي لامفر أمامها ثمة في قطرة الحبرخزين هائل لصيادين بغمزة عين ، جاهزين للانزلاق أسفل عبر القلم المنحدر، يحيطون بالأيل ، يصوبون النار). كيف ترى فيسوافا شيمبورسكا هذه العطايا للكتابة التي تحرر الكاتب من داخله الضيق إلى أفقها المطلق بينما نشعر ونحن نكتب بأننا في قبضة سجن ذاتي أضيق من أرق ينثر على ورقة بائسة بتجهمنا؟! . كيف تصبرعلينا الكتابة ونحن بهذا الضيق ؟ . أتوقف بين فرح فيسوافا وبين همنا وأحاول معرفة كيف توصلت إلى هذه القدرة من التجاوز لسجن الذات قسرا: (يوجد إذن هكذا عالم أتحكم بمصيره مستقلا زمن أربطه بقيود العلامات وجود بأمرتي متواصل فرح الكتابة إمكانية ترسيخ انتقام يد فانية) من هذه القاعدة التي لا مثيل لها جردت شيمبورسكا ذاتهاالكاتبة من همها إلى فرحها. وأما قاسم حداد فقد أول الكتابة كذائقة إلى جمال لايضاهى : (الذي يتذوق الكتابة لن يستطيع أن يعود عنها. فكلما تقدم بي الوقت (في الحياة والكتابة) تأكدت من عدم قدرتي على الإخلاص لأي شيء في الحياة سوى الكتابة ، وزاد يقيني بأن أجمل مافي العالم على الإطلاق هو الكتابة ، خصوصا إذا كنت حرا فيها) لاحظ أيها القارئ العزيز ، أن الحرية شرط مهم لحلاوة ومتعة الكتابة ومفهوم الحرية ومجاله واسع ومتشعب لايتعلق بحركة خارجية بل بعقل باطن يزورك في كل الأمكنة ويحضر في كل أزمنتك ومراحل عمرك». أعود إلى ماذكره الشاعر البحريني قاسم حداد في مقالته (محاولة لتقدير المسافة بين النص والشخص) «الحياة بعيدا عن الكتابة ستكون دائماً ضرباً من الذل والخوف في عالم عراء بارد شديد الوحشية . بدون الكتابة أكون . بالكتابة فقط أستطيع الزعم أنني أحيا معظم أشكال النضال والمؤسسات التي عبرتها كانت قابلة للخذلان والانهيار والخسارة . لم يبق لي بعد كل ذلك غيرالكتابة القلعة التي لاتستطيع الحياة أن تهزمها». رأى ذلك قاسم حداد وكتب الشاعر النرويجي هوفارد ريم : (اللغة حاستك السادسة بها تتأمل العالم وتفكر بالكلمات والخطابة والنشيد والكتابة وحديث كالمطر ؛ تعلم فن الكتابة). إذن فالكتابة فرحٌ في مقابل حرية وهم في مقابل كبت وحصار زمني ومكاني نرسمه نحن بصياغة عوالمنا الاجتماعية والفكرية و.... ربما تكون التقاليد والعادات الزائفة حصارا . ليس الحصار دائما ذا منبع سياسي بل ربما ينبع الحصار من بيتنا الصغير جدا في القلب . [email protected]