القوة والأمانة صفتان متلازمتان لأداء العمل وضبط ايقاعه، فجبريل عليه السلام وصفه ربه بأنه ذو قوة وذو أمانة في قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) 19التكوير. اذ يحتاج كل عملٍ الى هذين الوصفين، فيوسف عليه السلام وصف بهما نفسه حين تقدم للعمل حيث قال (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) يوسف 55، فالحفظ هنا يعني الأمانة والصدق والاخلاص في القول والعمل، والعلم يعني القوة في الضبط والربط والالتزام. وجاء في سورة النمل ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (38) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) (فترنو هذه الآيات الكريمات فيما ترنو اليه الى التخصص والاتقان فتلك الصفات النبيلة من خلالها يتحقق الأمن الوطني سواء الأمن الاقتصادي أم الاجتماعي وحتى النفسي والاداري، وحينها تتحدد المسؤوليات سواء كانت الفردية أم المؤسساتية ومن ثم تتعزز قيم النظام واللوائح والشرائع والقوانين وبالتالي يكون التطبيق المنضبط، واذا ما قرأنا نظام العمل الصادر عام 1426ه نجد أن تلك السمات لابد من توافرها وهي ما تحمل مبدأ القوة والأمانة حيث اشارت ان العامل هو كل شخص طبيعي يعمل لمصلحة صاحب عمل وتحت ادارته او اشرافه مقابل أجرٍ، وأكدت ذلك المادة الثالثة والثلاثون من النظام أنه لا يجوز لغير السعودي ان يمارس عملاً، ولا يجوز ان يسمح له بمزاولته الا بعد الحصول على رخصة عمل من الوزارة وفق النموذج الذي تعده لهذا الغرض يؤهلهُ لأدائه اذ اشترطت لمنح الرخصة أن يكون العامل قد دخل البلاد بطريقة مشروعةٍ والمشروعية هنا تعني -الصدق والأمانة - ومصرحاً له بالعمل وأن يكون من ذوي الكفايات المهنية أو المؤهلات الدراسية التي تحتاج اليها البلاد، وأن يكون متعاقداً مع صاحب عمل وتحت مسؤوليته «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)» وتلمح الآية الكريمة الايفاء بالعقد وهذا ما يعني عدم تشغيل العامل الا بما اُستقدم من أجله ولا يحل للمتعاقدين العامل ورب العمل الاخلال بما تعاقدا عليه ومن اهم هذا العقد الالتزام باللوائح والتعليمات، حيث جاء في المادة السابعة والثلاثين يجب أن يكون عقد عمل غير السعودي مكتوباً ومحدد المدة، وأكدت المادة الثامنة والثلاثين لا يجوز لصاحب العمل توظيف العامل في مهنةٍ غير المهنة المدونة في رخصة عمله ويقيني أن العامل الذي لا يعمل بمهنته لن يكون متقناً لها والعامل الذي ترك مؤسسته وعمل عند غيره افتقد الامانة والاخلاص، ويُحظر على العامل الاشتغال في غير مهنته قبل اتخاذ الاجراءات النظامية لتغيير المهنة حفظاً لحقه وصوناً لمهنته، اذ المحت المادة التاسعة والثلاثين لا يجوز بغير اتباع القواعد والاجراءات النظامية المقررة، أن يترك صاحب العمل عامله يعمل لدى غيره، ولا يجوز للعامل أن يعمل لدى صاحب عملٍ آخر ولا يجوز لصاحب العمل أن يترك عامله يعمل لحسابه الخاص، وهذه الانظمة من شأنها أن تُنظم ايقاع العمل بين العامل ورب العمل ليأخذ كلَّ ذي حقٍ حقه، ليتحقق مبدأ الجودة والاتقان(ان الله تعالى يحب اذا عمل احدكم عملا أن يتقنه) فهذا الحديث موجه لأرباب المهن ولذوي الصناعات، ولأصحاب الأعمال، فالعامل المتقن لعمله الحاذق لصنعته وحرفته شرطٌ أساس لأداء العمل وممارسته وحينها يكون مقابله اعطاءه الأجر قبل أن يجف عرق جبينه وأن يكون أجراً عادلاً واذا ما تحققت هذه الشروط والضوابط عادت المنفعة للعامل وصاحب العمل والوطن معاً. ومن هنا جاءت الحملة الأمنية لتصحيح أوضاع العمال خدمةً للعمال أنفسهم ولأصحاب العمل ذواتهم ليعرف كل منهم ما له وما عليه ولا يضطر العامل أن يعمل بغير مهنته التي يعرفها وتعلمها وجاء من أجلها، فالمزارعُ لا يُتقن سبك الذهب، والمعلمُ لا يمكن أن يكون طبيباً، والنجار من المحال أن يكون مهندسا، فالله سبحانه وتعالى جعل كلا ميسرا لما خُلق له، فالحملة التي تقوم بها وزارة الداخلية ممثلة بإدارة الجوازات ماهي الا لضبط اوضاع العمالة ووضع الأمور في نصابها ومسارها الصحيح وتفادي العشوائية وتحديد المسؤولية فما اللوائح العمالية الا ضمان لحقوق العامل ورب العمل، واذا ما نظرنا الى حجم العمالة في المملكة العربية السعودية والتي بلغت 8.4 ملايين بالإضافة الى المتسللين وغير النظاميين لندرك عِظم مسؤولية المواطن تجاه وطنه وتجاه العمال انفسهم وان هذا العدد يحتاج الى ضبط تام وتحمل كل مسؤوليته سواء من الحكومة او العامل او رب العمل فهم شركاء في المنفعة والمصلحة العامة فأولئك المتسللون أو العاملون بغير مهنهم قد ينجرفون الى اعمال غير مهنية ومتعدٍ ضررها الى انفسهم بل وملحقة اضراراً للوطن والمواطن والمقيم وراغب العمل، واذا ما نظرنا الى الدول التي قد يكون بها عمال غير نظاميين نجد أنهم قد يكونون سبب من أسباب الاخلال في الأمن من سرقاتٍ أو نهبٍ أو غيره، ويقيني أن الحملة الأمنية عمل وطني استراتيجي هادفً لحماية الوطن والمواطن والمقيم على حدٍ سواء وتسعى لأن يكون العمل وفق عملٍ مؤسسي نظامي يكفل الحق والحقوق وبالتالي تعود المنفعة على طرفي المعادلة ويكون الناتج لخير الوطن الذي هو الهدف المنشود والغاية المبتغاة. فلنعمل بقوةٍ وأمانة ونستأجر القوي الأمين ونكون أقوياء أمناء لبلدنا وأمتنا وأن نسعى للعمل المُتقن المُنظم فالله سبحانه وتعالى يحب اذا عمل احدنا عملاً أن يتقنه.