رمى شاب، وهو صياد مبتدئ، ببندقيته طائرًا من هذا النوع (الصورة) وأصابه إصابة غير مباشرة فطار وحط متواريا في شجرة فلحقه وأسقطه بطلقة أخرى، ولما نزل من سيارته فوجئ بأنه مازال حيّا يحاول الطيران! تعجب من قوة تحمله تأثير الطلقتين رغم أن حجمه مقارب لحجم اليمام، فتركه متوجسا على خلفية أن غالب معشر الصيادين يكرهونه, ويعتبرونه في الدرجة الثانية أو الثالثة في تصنيف طرائد الصيد المفضلة بسبب قساوة لحمه فضلا عن تحوط بعضهم على خلفية جدل يثار في كل موسم صيد حول جواز أكله لأن طرف منقاره فيه عقف بسيط, والمعروف أن الجوارح المميزة بالمنسر المعقوف لا يجوز أكلها. لعلك قد سمعت في أحاديث كبار السن بمناطق من نجد وصفا يطلق على الشاب الذي يتأنق في هندامه بينما طباعه وتصرفاته مخالفة لمظهره، فيقولون (فلان مثل الخاضور)، فهذا الطائر زاهي اللون لكن في سلوكه للبحث عن الغذاء ينزل إلى الوحل وعلى حواف البرك والمياه الآسنة يبحث عن الضفادع والرخويات. (الخاضور) اسم دارج (شعبي) لهذا الطائر لكنه يعرف في المصادر المتخصصة بالغراب الزيتوني رغم أنه ليس من فصيلة الغربان، ويعرف في مصادر التراث العربي التي تبحث في علم الحيوان ككتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري وكتاب الحيوان للجاحظ باسم الشِّقِرَّاق، أما في معاجم اللغة العربية فيعرف باسم الأخيل ففي لسان العرب: (الأخْيَل: طائر أخضر وعلى جناحيه لمعة تخالف لونه، سُمّي بذلك للخِيلان, وقيل: الأخْيَل الشّقِرَّاق وهو مشؤوم، تقول العرب: أشأم من أخْيَل). وأصل التشاؤم زعم عند العرب قديما إذ يعتقدون أن وقوع الأخيل على ظهر البعير أو الناقة يؤدي إلى كسره وقطع العرقوب بعد ذلك، ولهذا كان يوصف بمقطّع الظهور، وكانت العرب أيضا تصنفه مع طيور أخرى ضمن (طيور العراقيب) التي يتشاءمون منها, والعراقيب جمع عرقوب وهو في الحيوانات ذوات الأربع العصب الذي يكون بين مفصل القدم والساق. وكانت العرب تتشاءم أيضا من مشاهدة الأخيل في الطريق فإن رآه المسافر فزع وترقب الهلاك. قال الفرزدق مخاطبا ناقته في قصيدة مدح رجل اسمه قطن بن مدرك الكلابي: إذا قطنا بلغتنيه ابن مدرك فلاقيت من طير العراقيب أخيلا ذُبابا حساما، أو جناحي مُقطّع ظهور المطايا يترك الصّلب أجزلا وقال آخر: فما نلتني غدرا ولكن صبحتنا غداة التقينا في المضيق بأخيل بالتأكيد هذه خرافات، فحقيقة الأمر أن هذا الطائر ومثله أنواع أخرى طيور آكلة للحوم والحشرات قد تحط على ظهور الحيوانات ومنها الإبل، تفتش عن قراد ملتصق بالجلد أو تلتقط ما يعلق بالوبر من حشرات أخرى، وليس لها قوة أو تأثير! وقد ارتبط القول (لاقيت أو رأيت أخيل أو طير العراقيب) بالدعاء على المسافر، مثلما يقال في المثل الشعبي (طيرة عنقا)، وهذا بمثابة الدعاء على المسافر وغيره بالهلاك كزوال طائر العنقاء الذي قيل إنه هلك بعدما طغى وكثر اعتدائه، وكان يوصف عند العرب بأوصاف غريبة منها طول عنقه! وقيل إنه طائر خرافي لم يبق من أوصافه إلا الاسم (العنقاء: تلك التي جاءت واحدة من المستحيلات) في قول الشاعر: لما رأيت بني الزمان وما بهم خِلّ وفيّ للشدائد أصطفي أيقنت أن المستحيل ثلاثة: الغُول والعَنقاء والخِلّ الوَفي وللحديث عن الطيور في التراث والأمثال الشعبية بقية.