يعد الخوف من الممارسات السنية والشعور بالقلق إزاءها ظاهرةً شائعة تتراوح ما بين الخوف البسيط الذي يشعر به حوالي 75% من الأشخاص إلى القلق الشديد الذي يقود إلى تجنب المعالجة السنية والذي يصيب حوالي 20% من الأشخاص. وفي حين أن تأثير الخوف البسيط على الصحة الفموية قد يكون ضئيلاً نجد أن الرهاب الحقيقي من الإجراء السني يمكن أن يدفع المريض إلى تجنب المعالجة على الرغم من وجود أعراض واضحة، الأمر الذي ينعكس سلباً على الصحة الفموية، ومن هنا برزت الحاجة إلى جانب اتباع أساليب التهدئة النفسية والسلوكية للجوء إلى مقاربات دوائية للسماح بالقيام بالإجراءات السنية بطريقة "رحيمة" لدى مثل هؤلاء المرضى، ويساعد إعطاء الأدوية المنتقاة بحكمة على تحقيق هذا الهدف، ويسمح بدوره لأطباء الأسنان بالوصول بالصحة الفموية لمرضاهم إلى السوية الأمثل. بينت إحدى الإحصائيات المجراة على المرضى السنيين أن الخوف هو السبب الأبرز لحرمان 40% من الأشخاص من تلقي الرعاية السنية الروتينية. يظهر الخوف من الممارسات السنية بفعل أسباب عديدة تتضمن خضوع المريض إلى ممارسات سنية سابقة، والخوف من حدوث تشوهات وظيفية، وقد يعود إلى ملاحظة القلق أو الخوف لدى الآخرين، أو رواية قصص مرعبة من قبل الأصدقاء أو العامة، وقد ينشأ من رؤية الأدوات التي يستخدمها طبيب الأسنان كالمحفار السني أو إبر التخدير الموضعي. وقد يكون خضوع المريض إلى إجراءات سنية مؤلمة في مرحلة الطفولة أو مجرد التفكير بالإجراء مدعاةً للقلق والتوجس من الإجراء السني وظهور أمارات الشدة النفسية التي تترافق مع نماذج من الإثارات التلقائية قد تؤثر على سير الإجراء السني؛ فمن الملاحظ مثلاً أن هناك علاقةً قويةً ما بين القلق والألم، حيث أن توقع الإحساس بالألم يساهم بشكل واضح في نشوء القلق من الإجراء السني، وبدوره يؤدي القلق إلى خفض عتبة الإحساس بالألم بحيث أن التنبيه العادي كاللمس مثلاً يمكن أن يترجم إلى ألم. وللقلق أيضاً دور في ردود الفعل العكسية التي يبديها المريض في العيادة السنية والتي غالباً ما تشخص بشكل خاطئ كردود فعل تحسسية أو سمية تجاه المخدر الموضعي أو المقبض الوعائي المستخدم. يجب أن يكون طبيب الأسنان في البداية قادراً على تحديد شدة الخوف والقلق من هنا تأتي أهمية السيطرة على الخوف والقلق لدى المريض السني، ويتم ذلك عادةً باتباع بعض المقاربات السلوكية، ولكن قد تكون هذه الأساليب غير كافية، الأمر الذي يستدعي التدخل دوائياً في تدبير الحالة. استطبابات المقاربات الدوائية: يعد وجود القلق أو الخوف الكافي لتجنب المعالجة السنية الضرورية الاستطباب الرئيسي للطرائق الدوائية في تدبير الحالة. وتكون هذه الطرق ضرورية أيضاً لدى الأطفال الذين قد لا يتفهمون المعالجة السنية، والمرضى الذين سيخضعون إلى ممارسات سنية مكثفة، والمرضى غير القادرين على تحمل الشدة النفسية التي يسببها الإجراء السني كالمصابين بالأمراض القلبية، وفرط ضغط الدم غير المستقر، أو الربو الناتج عن الإجهاد. ويشكل وجود إصابات عصبية حركية كما هو الحال لدى مرضى الشلل الدماغي أو داء باركنسون استطباباً آخر لاستعمال الطرائق الدوائية في تدبير الخوف والقلق، إذ يمكن للرعاش أو الحركات غير المتناسقة لدى هؤلاء المرضى أن تتفاقم بسبب القلق الذي يشعر به المريض في العيادة السنية. وتكون هذه المقاربات ضرورية أيضاً لدى المرضى المصابين باضطرابات عقلية وضعف الإدراك، فقد لا يتعاون مثل هؤلاء المرضى مع الطبيب بشكل كافٍ للسماح بإنجاز المعالجة أو حتى القيام بالفحص الفموي. خطة المعالجة: لتحديد متطلبات المريض الخائف من الإجراء السني يجب أن يكون طبيب الأسنان في البداية قادراً على تحديد شدة الخوف والقلق من خلال تقييم المريض تقييماً عاماً ومراقبته وطرح بعض الأسئلة عن مدى خوفه من بعض الإجراءات مثل إبر المخدرات الموضعية أو صوت القبضة اليدوية أو من بعض الإجراءات الجراحية المعينة. بعد ذلك يتوجه طبيب الأسنان إلى تحديد الطريقة المثالية لتدبير المريض، وتجرب في البداية الطرق غير الدوائية التي قد تكون كافية بمفردها في التخلص من الخوف، ويشكل التخدير الموضعي الفعال أحد المتطلبات الأساسية لنجاح السيطرة على خوف وقلق المريض. تحدد المقاربة المناسبة للسيطرة على القلق وفقاً لاحتياجات كل مريض بصورة فردية، ويعتمد استعمال مقاربة دوائية معينة على سوية التدريب التي خضع لها الطبيب وعلى الأنظمة والقوانين المطبقة ابتداءً باستخدام الأشكال البسيطة من التهدئة مع الحفاظ على الوعي (الأشكال الإنشاقية والفموية)، واستخدام تقنيات التهدئة الوريدية مع الحفاظ على الوعي (وهي تقنيات أعقد)، وانتهاءً بالأشكال الأكثر تطوراً مثل التهدئة العميقة والتخدير العام التي تتطلب تخصصاً في الجراحة الفموية والفكية العلوية الوجهية وتدريباً كافياً على تقنيات التخدير. تعد تقنية التهدئة مع الحفاظ على الوعي الأكثر استخداماً في السيطرة على الخوف والقلق في الممارسة السنية الروتينية، حيث تسمح هذه الطريقة بإنجاز المعالجة السنية بأقل سوية من الإجهاد النفسي والفيزيولوجي مع المحافظة على وعي المريض وقدرته على التنفس بصورة مستقلة ومستمرة وعلى الاستجابة بشكل مناسب للتنبيهات الجسدية والأوامر الشفهية. يتم تحقيق هذا النوع من التهدئة بطرق دوائية أو غير دوائية أو بمشاركتهما معاً، ويجب أن يكون للتقنية هامش أمان واسع بصورة كافية لاستبعاد احتمال حدوث فقدان الوعي بصورةٍ غير مقصودة، إذ من الممكن لبعض الأدوية المستخدمة في إحداث التهدئة مع الحفاظ على الوعي أن تحدث هي نفسها التهدئة العميقة أو التخدير العام وذلك اعتماداً على مدى حساسية المريض لفعل الدواء وعلى عمر المريض وحالته الصحية ودرجة القلق إضافة إلى نوع الدواء أو الأدوية المستعملة وجرعاتها، لذا ينبغي لطبيب الأسنان تجنب إعطاء جرعات زائدة من المركن إلى المريض حتى لو بقي غير متعاون بشكل كامل، لأن هذه الجرعات الزائدة قد تؤدي إلى زيادة عمق التهدئة إلى حدٍ قد يصل إلى فقدان المنعكسات وضعف التنفس، وقد يؤدي أي نقص لاحق في الأكسجة وبشكل سريع إلى نتائج مأساوية. على الطبيب استخدام أسلوب نفسي لتهدئة المريض من الممكن تحقيق التهدئة مع الحفاظ على الوعي عبر طرق عديدة لإعطاء الدواء هي الطريق الإنشاقي، والطريق الفموي، وطريق الحقن العضلي أو الوريدي، وطريق تحت الغشاء المخاطي، والطريق تحت اللساني والطريق الشرجي، ويكون استخدام الطرق الثلاثة الأخيرة قليلاً في الممارسة السنية، فالطريق تحت المخاطي لا يتميز عن الطرق الحقنية الأخرى بأي ميزات محددة، أما الطريق تحت اللساني (أو عبر المخاطي) فيقتصر استخدامه على الأدوية ذات الانحلالية العالية في الدسم والمتوافرة ضمن أشكال صيدلانية ملائمة، وهو مشابه للطريق الفموي باستثناء أن امتصاص الدواء يكون أسرع ولا يخضع لتأثير المرور الكبدي الأول، ومن الملاحظ أن الطريق الشرجي لا يستخدم عادةً في طب الأسنان إلا عند الأطفال، ومن أهم مساوئ هذا الطريق هي تقلبات الامتصاص وعدم القدرة على تعيير الجرعة وعدم مطاوعة الطفل لتقديم الدواء بهذا الطريق. 1 – التهدئة الإنشاقية: تجرى التهدئة الإنشاقية بإعطاء مزيج غازي من الأوكسجين وأوكسيد النتروز N2O-O2 أو ما يعرف بالغاز الضاحك، وهي التقنية المفضلة في أي إجراء سني يتطلب التهدئة مع الحفاظ على الوعي بغض النظر عن مدته، ويفيد التسكين الناتج عن هذا الغاز في تخفيف الإزعاجات العرضية المرافقة للمعالجة السنية، مع ذلك فإن التهدئة بالغاز الضاحك لا تغني عن إجراء التخدير الموضعي. مزايا التهدئة الإنشاقية: يتمتع الغاز الضاحك بفضل عدم انحلاله النسبي في الدم ببداية سريعة جداً لتأثيره المهدئ، حيث تظهر التأثيرات السريرية وتصبح واضحة خلال دقائق معدودة، وتسمح هذه الخاصية بتعيير الجرعة تبعاً للتأثيرات. في هذا السياق يعرف تعيير الجرعة بأنه إعطاء كميات صغيرة من الدواء بصورة متزايدة إلى أن تتم ملاحظة التأثير السريري المرغوب، وتمكِّن القدرة على تعيير جرعة الدواء طبيب الأسنان من السيطرة على تأثير الدواء مع إلغاء الحاجة إلى تخمين الجرعة الصحيحة بالنسبة للمريض، وتعد هذه الخاصية سبباً رئيسياً لاعتبار التهدئة الإنشاقية بالغاز الضاحك التقنية الأمثل تقريباً للتهدئة مع الحفاظ على الوعي في الإجراءات السنية، وعلاوةً على ذلك تمكِّن هذه التقنية من إنقاص التأثير غير المرغوب في حال تلقى المريض جرعات زائدة من الدواء عن طريق الخطأ بشكل سريع عبر خفض التركيز المعطى، ومن الجدير بالذكر أن الطريق الإنشاقي هو الطريق الوحيد الذي يسمح بتعديل فعل الدواء بسرعة وفي أي اتجاه. من المزايا الأخرى الأساسية للمهدئة الإنشاقية هي الحصول على التأثير السريري المرغوب لدى معظم المرضى بإعطاء تراكيز معتدلة من أوكسيد النتروز تتراوح بين 20-50، وعودة المريض إلى حالته الطبيعية بشكل سريع جداً، ولا يكون هناك عادةً أية تأثيرات على القدرات النفسية الحركية والأفعال المهارية (تشغيل الآليات أو قيادة السيارة) بعد إنهاء إعطاء المزيج الانشقاقي وذلك مشروط طبعاً بألا تشارك هذه التقنية مع إعطاء عامل مهدئ آخر، أما تقنيات التهدئة الأخرى فنجد أنها تتطلب مرافقة المريض إلى منزله من قبل شخص مسؤول بعد إنهاء الإجراء. 2 – التهدئة الفموية: تحتل التهدئة بالطريق الفموي المرتبة الثانية من بين الطرق المستخدمة للوصول إلى التهدئة مع الحفاظ على الوعي في طب الأسنان. مزايا التهدئة الفموية: يعود الانتشار الواسع لإعطاء الأدوية بالطريق الفموي في التهدئة مع الحفاظ على الوعي إلى سهولة التطبيق، مع ذلك فقد لا يتقبل الأطفال الصغار بلع الأدوية خاصةً إذا كانت بشكل مضغوطات أو محافظ. من جهة أخرى تكون المشاكل المرافقة لإعطاء الأدوية مثل فرط الجرعة، وظهور ردود الفعل التحسسية الذاتية، وغيرها من الآثار الجانبية أقل شدةً وعرضةً للظهور عندما يعطى الدواء عن طريق الفم. 3 التهدئة بالطرق الحقنية: يعد الطريق الوريدي الأكثر فعالية في إحداث التهدئة مع الحفاظ على الوعي، فهو يسمح بتعيير الجرعة المناسبة وبالوصول السريع إلى تراكيز دموية فعالة سريرياً. بالمقابل يعد الحقن العضلي الطريق الأقل استخداماً لإحداث التهدئة في طب الأسنان لأنه استعماله مشوب بالعديد من المساوئ مثل عدم القدرة على تعيير الجرعة، ومدة التأثير الطويلة للدواء المعطى بهذا الطريق، والأذية النسيجية الحاصلة في موضع الحقن. ويمكن القول عموماً بأن إعطاء مزيلات القلق بالطرق الحقنية يحتاج إلى سوية تدريب عالية، ويلجأ إليه غالباً في الممارسات السنية لدى المرضى غير القادرين على تناول الأدوية فموياً أو وضع القناع الإنشاقي، ولتحريض مجال واسع من التأثيرات تتراوح بين التهدئة مع الحفاظ على الوعي والتهدئة العميقة والتخدير العام. نخلص إلى القول بأنه مع توفر الطرائق الدوائية السابقة يمكن لطبيب الأسنان أن ينجز الإجراءات السنية بأمان دون أن يخشى من عدم تعاون المريض أو من ظهور ردود فعل غير متوقعة نتيجة الخوف والشدة النفسية اللذين يسببهما الإجراء السني، كما أن اعتماد هذه الطرق يتيح للمرضى ذوي السلوكيات المبالغ بها من الخوف والقلق من الممارسات السنية الفرصة لتلقي الرعاية السنية بمزيد من الاطمئنان.