هبطت لغة الحوار في الآونة الأخيرة، وأصبح النقاش في كثير من القضايا لا يركز على القضية (موضوع النقاش) وإنما يتحول إلى ساحة قتال وكل طرف يحاول أن يجد نقطة الضعف في خصمه حتى يتمكن من إسقاطه. ليست المشكلة في تعدد الآراء، ولكن في أسلوب الحوار. المشكلة الأزلية هي عدم قدرة المحاور على ضبط نفسه والالتزام بالموضوعية. في مفردات الحوار كلمات أصبحت تفلت من رقابة أصحابها وتفرض نفسها كلما نشأ حوار يناقش القضايا الدينية، أو الثقافية، أو الاجتماعيه أو السياسية. نسمع مفردات مثل خائن، وعميل، وجاهل، ورجعي، ومتآمر إلخ وهي مفردات كانت تستخدم في زمن مضى معبّرة عن خلافات سياسية جادة بين الدول العربية في فترة زمنية واتضح فيما بعد أن تلك اللغة ليس لها أي تأثير إيجابي في عملية البناء وهي أشبه بقصائد الهجاء. الآن انتقلت تلك اللغة مع الأسف إلى الحوارات الفكرية بين الأفراد داخل الوطن الواحد وليس بين الدول. هذه اللغة التي تهيمن الآن على مجريات الحوار يستخدمها أحيانا بعض من يُنظر إليهم كقدوة في المجتمع. الغريب أن أدب الحوار المفقود بين التيارات المختلفة لا أحد يعترف بأنه سبب فيه فكل طرف يتكلم عن أدب الحوار وأخلاقياته ويتهم الطرف الآخر، لكن كل طرف يستخدم اللغة الهابطة ويضيع المتابع للحوار بين تيارات تزعم أنها تملك الحقيقة، والريادة والقيادة وهي عاجزة عن المشاركة في حوار موضوعي يبتعد عن تبادل الشتائم والاتهامات ويركز على القضية المطروحة للنقاش. مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يقدم برامج تهدف إلى نشر ثقافة الحوار وتنمية المهارات. تتضمن برامج ثقافة الحوار برامج تدريبية في مجال (حوار الآباء مع الأبناء) ومواضيع آخرى لطلاب الجامعات مثل (بناء الاتصال الفعال) وهي في الغالب موجهة للشباب وهي خطوة جيدة ولكن ما أريد أن أضيفه هنا هو تأثير (القدوة) في تحقيق أهداف تلك البرامج واختيار النماذج المتميزة في هذا المجال لإحداث التغيير المطلوب. إن تقييم الأداء هو الذي يكشف الاحتياجات التدريبية، وحين نقيم أداء المتحاورين من (أصحاب الألقاب والتجارب) يتضح أنه أداء يحتاج إلى تطوير وتقنين والتزام بأخلاقيات الحوار، وحين نشاهد بعض الحوارات التلفزيونية يلح علينا السؤال: من الذي يحتاج إلى تدريب؟ لذلك إذا أردنا الإسهام في عملية التنمية والبناء فإن الحوار العلمي، الموضوعي الذي يتعاون فيه المتحاورون للوصول إلى الحقيقة هو الذي يقوم بهذا الدور، أما النرجسية، والتمترس بالشعارات والمشاركة من أجل الانتصار، وشخصنة الحوار، فإن هذا حوار يهدم ولا يبني، وفيه إهدار للوقت والجهد والمال، وتحقيق أهداف خاصة لا تخدم أحداً سوى جمهور محدود يبحث عن الإثارة. إن تقييم مايدور من حوارات فكرية يجعلنا نتساءل، من الذي يحتاج إلى تدريب، ونأمل من مركز الحوار الوطني أخذ هذا السؤال في الاعتبار في برامج الحوار الوطني، وربما نحتاج إلى دارسة للاحتياجات التدريبية في هذا المجال، وقد تأتي النتائج مفاجِئة، ولكنها حتما سوف تجيب عن السؤال! من الذي يحتاج إلى تدريب؟