لم تتوجه الحكومة التركية الراهنة لمجالها الإسلامي وبُعدها العربي، بسبب المعاملة غير المنصفة برفض أوروبا إدخالها اتحادها، وإنما جاء توجهها استشرافاً لدور متعدد، تاركة أفكار ما بعد سقوط الخلافة العثمانية وتولي العسكر الدور المباشر لحكومات يرضون عنها، أو ينقلبون عليها، وظل الاهتمام بالعرب لا يوازي العلاقة مع إسرائيل، غير أن الوعي المتنامي والمصلحة المشتركة وانتهاج سياسة فتح النوافذ والأبواب، أسباب مباشرة لعودة هذه العلاقات وتناميها.. الجميل في كل هذا أن لقاءات على مستويات عليا ومتوسطة لا تنحو تجاه تداول المواضيع الطويلة المعقدة في الغالب، وإنما بحثُ جوانب ثقافية، وإعلامية وسياحية، ورغم أن النتائج لن تأتي سريعة لتراكم المواقف التي عزلت العرب عن تركيا، إلاّ أنها الوسيلة الأكثر أهمية في تأكيد هذا الإخاء، وعودة للتاريخ بضرورات الحاضر.. فكما أن هناك مشروعاً لتنمية المدارس التي تدرّس اللغة العربية للأتراك من المفترض المعاملة بالمثل بوضع كراسي في جامعاتنا العربية، وتحديداً الخليجية بتدريس اللغة التركية والتي تحتوي على عشرات الكلمات والمفردات العربية، وعلى الجانب الإعلامي التوسع في إفساح المجال لمحطات فضاء، وإنشاء فروع لوكالات الأنباء ومكاتب ومكتبات ثقافية وزيارات متبادلة على المستويات الشعبية ودوائرها وهيئاتها.. فتركيا تعد من البلدان الصاعدة في تقدمها العلمي والاقتصادي والصناعي، ومن الواجهات في العالم الزاحفة للمراكز المتقدمة إن لم تكن من الأوائل في العالم الراهن، وهذا التأهيل بالإمكانات المختلفة، وقربها من المواقع العربية، يفترضان توسيع قواعد العمل بحيث لا تقتصر على نوع واحد كالاقتصاد وترك الفرص التي تجعل الشعبين في تلاقٍ دائم لأن الفرص القائمة والتوجه بين الدول وشعوبها وتنامي السياحة البينية بينهم، تفترض أن تكون الدائرة أوسع وأشمل.. ماليزيا انتهجت نفس التوجه مع الدول العربية بحيث تضاعف تعليم اللغة العربية، والاستثمارات في مختلف المجالات، والنموذجان التركي والماليزي في عالمنا الإسلامي يعدان الأكثر تقدماً بين تلك الشعوب، ولا يمنع هذا من الاستفادة من تجاربهما، وكيف خرجتا من العالم الثالث إلى الأول وفق خطط منهجية وتعليم متقدم، ومراكز بحوث تستقطب العلماء والموهوبين، والاستفادة من هذه المنجزات في إيصال المبتكرات إلى المصنع فالسوق العام، ولعل البلدان الإسلامية المتطورة هي الأقرب لنا روحياً واجتماعياً في نقل تجاربهم والاستفادة منها.. وإذا كان العالم يسعى لعبور الثقافات والأموال، وخلق ما يُعرف بالتكتلات السياسية والاقتصادية لبناء كيانات تزاحم منافسيها، فنحن في عالمنا الإسلامي الأحوج لخلق إطار عمل يزيح الخلافات القومية والحزبية والمذهبية، لأن العوامل المشتركة تهيئ لدور أكثر تكاملاً وتقارباً، وتركيا وماليزيا نموذجان طليعيان في العالم، وهذا مكسب لنا أن نرى هذا العالم الكبير تنزرع فيه بوادر نهضة جديدة قابلة للزيادة والاستمرار.. ونحن في المملكة ليس لدينا عقدة الإقليم لأننا منفتحون على كل العالم لكن الأوْلى بالاهتمام هم من يشاركوننا الجغرافيا والمعتقد والتاريخ الطويل من العلاقات الأخوية..