تحاول بعض الأسر أن تتمسك بضوابط خروج الفتاة ومدى الحرية المسموح لها، وما زالت الكثير من الأمهات يحتفظن بالطريقة القديمة في ضبط الفتاة، من خلال إلزامها بقوانين للخروج والتعاطي مع جميع ما يتعلق بها، ففي السابق كانت الأسرة تمنع خروج الفتاة إلاّ للضرورة الملحة، في حين تصرّ الأمهات على مرافقة الابنة إذا ما اضطررن للموافقة على خروجها لزيارة صديقتها، أو الذهاب إلى السوق، أو أخذ كتابٍ من زميلة في المدرسة. التساهل إلى حد «الانفلات» مرفوض خوفاً على البنت وليس منها.. و«التشدد الزائد» لا ينفع مع الجيل الحالي وكانت الأم تتعرف على صديقات بنتها، وأمهاتهن، وتجلس معهن في جلسة أسرية حتى تنتهي الفتاة من تلك الزيارة، في حين تغيّر الحال في الوقت الحالي بعد دخول الكثير من المتغيرات الاجتماعية على الأسرة، حيث إنّ هناك أسراً منحت الحرية المطلقة للفتاة في الخروج، حتى أصبحت الأسواق، والأماكن العامة، والمقاهي، تعجّ بالفتيات المراهقات اللواتي يتنقلن بين المحال التجارية دون وجود الأم أو الأخت الكبيرة؛ مما يخلق تساؤلاً حول ما إذا كانت الأمهات قد توقفن عن اصطحاب بناتهن؟، وهل يعني ذلك تغيّر مفهوم الضوابط في الحدود المفروضة على الفتاة؟. د.الجبرين: «الأم العصرية» لديها وجهة نظر تختلف عن السابق أم عصرية! ورأت "منيرة القحطاني" أنّ هناك تساهلاً كبيراً مع الفتاة في الوقت الحالي لم يكن موجوداً أبداً في السابق، حيث كانت الأم تصرّ على رفقة ابنتها وأن لا تخرج إلاّ معها، حتى حينما تزور قريباتها، مبيّنةً أنّ صورة الأم المتشددة أصبحت قليلة مقارنة لنموذج الأم الجديد، وأصبحت الأم في الوقت الراهن أكثر تساهلاً ليس فقط في أمور زيارة الفتاة لصديقاتها، بل حتى في مكالماتها معهن، والتي تمتد إلى ساعات، حتى أن بعض الفتيات تترك تجمعات الأقارب لتتحدث بمفردها في غرفة منعزلة. الثقة في الذات سبب خروج الفتاة وحيدة إلى السوق ولفتت إلى أنّ الفتاة باتت ترتاد الأسواق وهي مراهقة بحرية تامة، بل إنّ من المشاهدات التي أصبحت طبيعية حينما تتصل الفتاة بالأم من هاتفها الخاص لتخبر أمها أنّها ستتأخر في العودة للمنزل من الجامعة؛ لأنّها ستذهب إلى مطعم مع صديقاتها، وكأنّ التمدن أصبح في الحرية المطلقة للفتاة!. يفضّل كثير من الفتيات لقاء صديقاتهن في مقاهي الأسواق ضرورة ملحة وأوضحت "منيرة" أنّ التشدد قد لا يكون مقبولاً، ولكن في المقابل لابد أن يكون هناك ضبط للفتاة، فمن غير المنطق أن تمنح الفتاة المراهقة حرية الذهاب والإياب في أي وقت، كاشفةً أنّ إحدى صديقاتها تفاجأت بأنّ شقيقتها البالغة من العمر (17) سنة في مقهى مع صديقاتها، حيث أظهرت زينتها بشكل لافت، على الرغم من أنّها أخبرت والدتها بأنّها ستذهب إلى صديقتها لتذاكر معها استعداداً للامتحان، معتبرةً أنّ المراقبة ضرورة ملحة، ومرافقة الأم للابنة من أهم الأمور التي لابد أن تحرص عليها ولا تتساهل فيها. الزمن الجميل وانتقدت "أم إسماعيل" تساهل الأمهات في الوقت الحالي، مبيّنةً أنّ الأم سابقاً كان لديها شعور كبير بالمسؤولية، وخوف وحرص على الفتاة، فهي تعي مسؤوليتها تجاه ابنتها التي لم تنضج بعد، مشيرةً إلى الزمن الجميل الذي عاشته حينما كانت في كنف أسرتها، عندما كان خروج الفتاة من المنزل قليلاً جداً، وحينما تخرج لابد أن تكون الأم برفقتها. وأضافت: "إذا شعرت الفتاة بالملل تختلق الأسباب البسيطة للخروج لرؤية الشارع، فقط لتراه، وتغيّر جو المكوث في البيت، كما كانت الفتاة تتعذر بذهابها إلى الخياط النسائي لتعديل ثيابها، وترافقها الأم، وحينما لا تستطيع الأم الخروج تطلب من شقيقها أن يأخذ الثوب بنفسه دون حاجة لخروجها، فالخروج من المنزل له ضوابط كبيرة آنذاك". أمهات متساهلات! ونوهت "أم إسماعيل" بأنّه في الوقت الحالي بات من الطبيعي رؤية الفتاة بمفردها في الأماكن العامة، بل إنّ ملاقاة الصديقات لم يعد يحلو في المنازل، وأصبح أكثر متعة حينما يكون في مقهى أو سوق، وتتقبل الأسرة ذلك وتدعمه بقوة دون وجود مشكلة، مبينةً أنّ الخلل في نموذج الأم الذي تغيّر، فالأم نفسها أصبحت بحاجة إلى من يوعيها ويوضح لها الكثير من الأخطاء التي تقع فيها، فهناك بعض الأمهات في الوقت الحالي يوصفن ب"الغافلات" أو "المتساهلات:، حيث إنّهن يخرجن بتكرار من المنزل بشكل غير مبرر، وينشغلن بالزيارات النسائية مع الجيران، والإصدقاء، مع إهمال كبير لمتابعة الأبناء والاهتمام بالبيت. تغيّرات اجتماعية وأكّد "د. جبرين بن علي الجبرين" -أستاذ مشارك بقسم الدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود- على أنّ هناك تغيّراً ملموساً في ضوابط خروج الفتاة، مبيّناً أنّ بعض الأسر لا زالت ملتزمة بذات الضوابط القديمة، حيث تتعاطى مع خروج الفتاة بطريقة مختلفة عن خروج الشاب، كما أنّ لديها تحفّظاً في ارتياد الفتاة لبعض الأماكن العامة كالمقاهي، أو زيارة الفتاة لصديقاتها في منازلهن، مشيراً إلى أنّ للتغيرات الاجتماعية التي حدثت مؤخراً تأثير على بعض الأسر فيما يخص طريقة التعاطي مع خروج الفتاة. وقال إنّ اختلاف صورة الأم عن الماضي له تأثير في تغيّر طريقة التعاطي مع خروج الفتاة ومقدار المساحة المقدمة لها، ففي الماضي كان درجة تعليم الأم محدودة في حين أصبح الآن هناك انفتاح إعلامي بكل مكوناته؛ مما أحدث نوعاً من التغيير في وجهات النظر، وأدى ذلك إلى ظهور توجهات تتحدث عن ضرورة الاهتمام بكافة أفراد الأسرة، وضرورة التسامح مع الأبناء. وأشار إلى أنّ الأم العصرية تعيد النظر في بعض وجهات النظر، فعلى سبيل المثال لم تكن الأسر تسمح للفتاة بالابتعاث، واليوم أصبحت الفتاة السعودية تنافس على البعثة، إلى جانب تخفيف الضوابط على الفتاة والسماح لها بالذهاب لصديقاتها، مؤكّداً على ضرورة أن يكون هناك اهتمام بتنمية الرقيب الذاتي في داخل الأبناء وبشكل متساوٍ فهو الأهم. تربية حسنة وقال "د.الجبرين" إنّ التربية الحسنة وتنمية الرقيب الذاتي أهم بكثير من إخضاعها للرقابة؛ لأنّ الرقيب الذاتي هو الذي سيبقى في أي مكان، فالتشدد في المراقبة لن ينجح كما ستنجح الرقابة الذاتية بداخل الفتاة، ورسم القدوة الحسنة، وإعطائها الثقة، موضحاً أنّ ذلك لا يعني عدم المراقبة أو الإهمال، فلابد أن تعرف الأم أين تذهب الفتاة؟، ومن هم صديقاتها؟، وماذا يفعلن؟، وتعرف معلومات عن هذه الصديقات، معتبراً أنّ هذا لا يتعارض عن مفهوم الثقة أبداً، ولكنها من الأمور الهامة؛ حتى لا تحدث الغفلة، خاصةً وأنّ الفتاة في سن المراهقة ولم تكتمل لديها الخبرة في الحياة، فينقصها أشياء كثيرة. وأضاف: "للحرية حدوداً، ولا يمكن أن تكون مطلقة، وما يتيحه المجتمع للشاب لا يسمح به للفتاة، فهي تحكمها أشياء كثيرة، فالحرية لابد أن تكون في حدود المألوف، بحيث لا تضرّ الإنسان ولا تتعارض مع القيم والمبادئ الثابتة، ولابد أن نعرف كيف نتعامل مع الفتاة في سن المراهقة، فالأسرة لابد أن تكون واعية بمفهوم الحرية، فلا يُفهم أنّ الفتاة حينما تمنح الحرية لا أحد يعرف متى تخرج، فتلك ليست الحرية المناسبة لمجتمعاتنا، ولكن ذلك لا يعني الكبت والتشدد، فلابد من إيجاد التوازن، بحيث لا يصل إلى الإخلال بالتربية الاجتماعية، ولا ينتج عنه ممارسة تسلطية داخل الأسرة".