يواجه الموظف -الذي يعمل في وظيفة تعتمد على مقابلة الجمهور- كثيراً من الضغوطات النفسية، حيث إن التواصل مع الآخرين يحتاج إلى مزيدٍ من التحمل والصبر لكسب المراجع أو العميل الذي يتحدث معه، كما أنه يحتاج إلى استيعاب جميع نفسيات هؤلاء المراجعين وأمزجتهم المختلفة؛ فهي وظيفة تعتمد في مجملها على كثير من الضغط الداخلي بخلاف بعض الوظائف المكتبية أو الوظائف التي لا تتطلب تواصلاً مع الجمهور بشكل مباشر. موظفون بحاجة إلى دورات تدريبية في «ضبط النفس» و«التعامل مع العملاء» و«احتواء المشكلات» بدون «عصبية» و«شوفة نفس» وعلى الرغم من تلك الضغوطات التي يتحملها الموظف في مقابلة الجمهور والتواصل معهم، إلاّ أن القطاعات الحكومية وبعض القطاعات الخاصة لم تأخذ بعين الاعتبار وجود حافز مادي يدفع الموظف إلى مزيد من التواصل الجيد مع الجمهور وهو مايسمى ب"بدل مقابلة جمهور"، كما أن قلّة التدريب وخوض تجربة تعليم مهارات التواصل مع الجمهور مفقودة لدى بعض قطاعات الأعمال؛ فمن يمارس هذه الوظيفة غالباً ما يأتي لوظيفة شاغرة دون الاهتمام بالاختيار والصفات الشخصية، والسؤال: لماذا لا يتم تفعيل نظام "بدل مقابلة جمهور" للموظف الذي يعتمد عمله على الاتصال بالآخرين مع وجود تدريب جيد له؟ وكانت "وزارة الخدمة المدنية" قد كشفت قبل فترة عن توجهها لدراسة صرف بدل مقابلة جمهور مع الراتب الحكومي للموظفين الذين يمارسون أعمالاً تتعلق مباشرة بالمراجعين والجمهور، وتم التنبيه على أن بدل مقابلة الجمهور كان يصرف سابقا وأوقف عام (1405ه)، إلاّ أن هذه الدراسة ظهرت للنور من جديد بعد أن أخذ "المجلس الأعلى للقضاء" يدرس حزمة من المقترحات الجديدة التي تخدم الجهاز القضائي وتُسهم في تفعيل العملية القضائية، واشتملت التوصيات على دراسة توصية "بدل مقابلة جمهور"، وتضمنت التوصية "من الأمور التي يعاني القضاة منها ما يجدونه من أثر نفسي سيىء جراء مقابلة الناس من أطراف القضية المتخاصمين، والذي يغلب عليهم التوتر والخصومة ورفع الصوت وهو أمر متعارف عليه، وكون بدل مقابلة الجمهور شاملاً لعدد من القطاعات الوظيفية كالمستشفيات والجوازات وكتاب العدل فإن صرفه للقضاة بات أمراً ضرورياً".. فهل "بدل مقابلة الجمهور" وهو المقر لبعض الوظائف يعتبر حصراً على وظيفة دون أخرى، خاصة حينما تتقاطع مع غيرها من الوظائف في مقابلة الجمهور؟ أم أن جميع من يقابل الجمهور ويعتمد عمله على التواصل الجمهوري من حقه أن يصرف له بدل مقابله جمهور لحصول ذات الأثر؟ خدمة المراجعين تتطلب مهارة أكبر في التعامل مع الآخرين وصبراً وتحملاً تعويض الضغوطات وأكد "د.عبدالله المباركي" -مختص في الجانب الاجتماعي الاقتصادي وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على أن كثيرا من الملاحظات التي تؤخذ على الموظف الذي يقابل الجمهور هي من نتائج ضغوطات كبيرة يتعرض لها من قبل المراجعين، وفكرة وجود "بدل مقابلة الجمهور" للموظف جيدة جداً، بحيث تكون محفزا يدفع الموظفين الذين يتقابلون مع الجمهور نحو أن يتواصلوا بطريقة أفضل مع الجمهور، إذ أن المراجعين عادة ما يتذمرون من تعامل الموظفين معهم، فإذا أعطوا فرصة لوجود بدل فإنه من الممكن أن يُحفّز على الأداء الجيد وتحمل الجمهور والتواصل معهم بشكل أفضل، مشيراً إلى وجود بعض الإشكالات في مثل هذا القرار الذي يتمثل في أن الموظفين الآخرين الذين لا يتقابلون مع الجمهور قد يطالبون بالبدل خاصة أنهم مكملون في الأداء الوظيفي لهم، كما أنه من المحتمل أن يكون هناك تنافس على مثل هذه الوظائف بسبب الحافز المادي. د. عبدالله المباركي وقال إن الموظف الذي يضطر إلى أن يتعامل مع الجمهور يشعر بكثير من الضغوطات النفسية بسبب الكم الهائل من المراجعين الذين يضطر للتعامل معهم وضغوطات أخرى تتعلق بالإنجاز، كما أن الجمهور نفسه يشعر أن الموظف يتذمر من تعاملهم وتأخرهم في أداء المعاملة؛ لأن الموظف يعاني من ضغوطات أخرى. وأضاف أن الضغوطات الاجتماعية التي يشعر بها الموظف تزداد حينما يجد أن هناك من المراجعين من يعرفه أو يرتبط بقرابة معه فيعيش ضغوطات تتمثل في رغبة المراجع القريب بأن يقدّمه على الآخرين أو لا يقدمه، فهناك من يرفض أن يقدم أقرباءه، ولكنه يتعرض للكثير من النقد والضغوطات في ذلك، داعياً إلى ضرورة أن يتم مناقشة مدى جدوى وجود ما يسمى بدل مقابلة جمهور بأن يطرح للنقاش ويؤخذ رأي الناس والمعنين فيه. د. سعود صالح نتائج سلبية وأكد "د.سعود صالح" -كاتب وأستاذ مختص في مهارات الاتصال وتكنولوجيا الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز- على أن الحوافز المادية في أي وظيفة مهمة جداً، ولكن معظم الوظائف لابد أن يكون فيها بشكل أو بآخر حافز مادي، إلاّ أن ربط أداء الموظف الذي يعمل في وظيفة تعتمد على مقابلة الجمهور بحافز مادي فإن ذلك قد يكون له نتائج سلبية، حيث ان الموظف لن يُحسن معاملة الجمهور إلاّ إذا تم وضع الزيادة في مرتبه أو لديه حوافز مادية فهذا غير جيد، مشيراً إلى ضرورة أن يكون هناك تدريب مكثف وجيد لمن يتقلّد هذه الوظيفة، فالموظف لابد أن يتصف بكثير من المزايا الشخصية عندما يلتقي بالجمهور، فمعظم المشكلات التي تقابلها شركاتنا بسبب عدم القدرة على التعامل مع الجمهور، فلابد من تدريب الموظف مع وجود راتب جيد يمنحه الراحة النفسية، مع توفير ظروف عمل جيدة حتى يكون هناك عطاء جيد مع الجمهور؛ فطالما أن هذا الموظف قِبل أن يعتمد عمله على التعامل مع الجمهور فلابد أن يتحمّل المزايا المترتبة على هذه الوظيفة، وأن يكون قادراً على التعاطي مع الآخرين بشكل جيد. د. بكر إبراهيم وروى موقفاً تعرض له عندما أجرى اتصالاً بأمانة محافظة جدة يشتكي من وجود حفريات في طريق؛ مما تسبب في حجز سيارته لمدة تسعة أيام في موقفها، وأجرى عدة اتصالات لشكوى المندوب المختص بتلك الحفريات، وبعد عدة محاولات أتاه الجواب أنهم في اجتماعات ويرجى الاتصال لاحقاً، مبيناً أنه لا يلوم الموظف لأنه يفتقد للتدريب على مقابلة الجمهور فضلاً عن عدم وجود بدل أو حافز لقاء ذلك. وقال إن غالبية الوظائف التي تعتمد على مقابلة الجمهور لها رواتب جيدة، وليس من الأفضل ربط الأداء بالمرتب؛ فمن الممكن أن يكون الارتياح النفسي مهم جداً عندما يكون مرتبه جيدا، ولكن التدريب أهم في هذا النوع من الوظائف مع الصفات الشخصية للموظف، فحينما تُقدّم حافزاً مادياً لشخص ليس لديه سعة بال مع الجمهور، فإنه لن يتعامل مع الجمهور بشكل جيد حتى مع وجود الحافز المادي؛ فالحوافز مهمة ولكنها ليست شرطا لحُسن أداء الموظف. وأضاف ان اختيار موظفي خدمة العملاء والمراجعين يخضع لمعايير كثيرة سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة، والملاحظ أن كثيرا منهم يحتاجون إلى تدريب وحسن اختيار من حيث الشخصية وقوة الأداء على الرغم من وجود بعض النماذج الجيدة، كموظفي البنوك الذين يُعرفون بجودة خدمتهم؛ وذلك عائد إلى حسن الاختيار والعوامل المادية، مبيناً أن الموظف الذي يقابل الجمهور يفترض أن يتسم بحسن المظهر إلى جانب إجادة مهارات التحدّث، حيث ان تلك العوامل مؤثرة في الانطباع الذي يشعر به المراجع أو العميل. تدريب مفقود وذكر "د.بكر محمد إبراهيم" -أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود- أن الموظف الذي يعتمد عمله على مقابلة الجمهور لابد أن يكون لديه عوامل كثيرة تساعده على إحراز النجاح في وظيفته أهمها أن يكون لديه القدرة على تقبّل الرأي الآخر، ولديه مهارات الاتصال والتحدث؛ لأن مقابلة الجمهور من أصعب المقابلات، وتحتاج إلى أشخاص متمرسين ويتصفون بسعة صدر وقبول للآخر، مشيراً إلى أن ثقافة الناس تختلف من شخص لآخر، فهناك من يتصف بأخلاق عالية ويتعاملون بطريقة راقية، وفي المقابل يوجد من الناس من يتعامل مع الموظف كأنه خادم له، فلابد أن يكون هناك استيعاب كبير لطبيعة هذه المهنة الصعبة التي ليس الجميع ينجح بها. ونوّه بأهمية التدريب الذي لابد أن يخضع له موظفو العلاقات العامة، ومن يتصلون بالجمهور، حيث يجب أن يمتلك الخصائص التي تؤهله إلى أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، ويتقبل اختلافات الجمهور، ويمتاز بالبشاشة، حيث ان هذه تحتاج إلى تمارين تنمي مهارات الاتصال لديه، فكل شخص لديه مهارات، ولكنها خاملة حتى يأتي من يوقظها ويفعلّها، ومتى ما وجد الجهة التي تدرّبه سيتحول إلى موظف ناجح وقادر على تقبّل اختلافات الجمهور. وقال إن من المهم إيجاد "بدل مقابلة الجمهور" للموظف الذي يتعامل مع مراجعين عدة، خاصة إذا كان الهدف من ذلك زيادة القدرة الاستيعابية لدى الموظف للآخرين وتحميسه على مزيد من التحمل فانها فكرة ليست سيئة وممكن أن تحرز نجاحاً في ذلك، مبيناً أن ليس كل موظف يعمل في مقابلة الجمهور هو قادر على أن يُنجز في وظيفته بشكل جيد، فلابد أن يكون لديه قدرة على التحمل والتواصل مع الجمهور، فالإيمان بالعمل الذي يؤديه من أهم مسببات النجاح، والدافع للموظف أن يتطور.