في بداية الستينيات من القرن الماضي كان أساتذتنا يحرصون على أن نقرأ في مجال الأدب خصوصا من كان منهم مدرساً للغة العربية حيث هم ممن تظهر عليهم علامات الاهتمام بالأدب بجميع فنونه، فهناك من له مؤلفات يذكرها أو يعرضها علينا كطلاب، ومنهم من يهدي مؤلفه إلى تلميذه الذي يرى أنه يستحق ذلك حسب مقاييسه التي جسدت الاستحقاق، وقد نلتُ هذا الشرف من أستاذي القدير الروائي والقاص واللغوي سليمان فياض أمد الله في عمره؛ حيث أهدى إلي باكورة إنتاجه (عطشان يا صبايا) مجموعة قصصية، وقد وصلت إليه من مصر أعداد لا بأس بها من المجموعة. في ذلك الوقت (= بداية الستينيات ) وفي المرحلة المتوسطة من الدراسة عُرضت على الأساتذة والطلاب مجموعتان قصصيتان بسعر رمزي هما (الحنينة)، و(الأذن تعشق) وكاتبهما هو أمين سالم رويحي، كاتب يميل إلى السخرية في كتاباته، وقد عرف بها خصوصا في بابه الشهير (أبو حياة والناس)، في حين كان عرْضُ المجموعتين تزامن مع صدور مجموعة (حياة جائعة) للراحل الفنان الأديب الرقيق عبدالرحمن الجفري، وقصص (أمهاتنا والنضال) لإبراهيم الناصر، ولحقت بهما (عرق وطين) لعبدالرحمن الشاعر.. وفي اثناء تلك الفترة كانت رواية (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري والتي أعقبها بروايته الثانية (ومرت الأيام).. وهما الروايتان السعوديتان الطافيتان على الساحة الثقافية آنذاك. وقد برز اسم إبراهيم الناصر كروائي بصدور روايته (ثقب في رداء الليل )، وحيث إنه استهل إبداعه بالقصة والرواية فقد استمر في مسيرته متواصلا مع عطاءاته في مجال الإبداع روائيا وقاصا يميل إلى الرواية كمتنفس استطاع من خلاله أن يُكَوِّنَ له ميداناً فسيحاً في هذه العوالم، وانتشر اسمه في العالم العربي خصوصاً في مصر، ولبنان، وسورية، لكونه كان يمد بعض المجلات الأدبية المعروفة بنتاجه في القصة، وبعض الدراسات التي تدور في مجال الرواية والقصة، فمنذ صدور (ثقب في رداء الليل) روايته التي اعقبها ب(أمهاتنا والنضال) توالت أعماله في الصدور ك (أرض بلا مطر) قصص، و(غدير البنات) قصص، و (سفينة الموتى) رواية .. وقد غير عنوانها إلى (سفينة الضياع) وتبعها بعدد من الروايات والقصص ما مكنه من تبوء مكانه من الريادة في هذا المجال الذي يشهد مده الروائي اليوم بين الجيل الحالي، ويحسب له أنه لم ينقطع عن العطاء الى آخر حياته التي ظل خلالها متواصلا مع الحياة الثقافية المتنامية في المملكة. أذكر من أعماله التي تتابعت في مجال الرواية : دم البراءة، عذراء المنفى، ورعشة الظل، والغجرية والثعبان، غيوم الخريف، وهناك غيرها. إن مسيرة الراحل كانت مشبعة بالإبداع الذي يرى أنه يستطيع من خلاله أن يبرهن على تواجده الحياتي كأديب ذي نكهة خاصة تستمد عبقها من حديقة المجتمع المتعايش معه بأفراحه وأتراحه خاصها وعامها، لأنه في أعماقه يحمل روحاً شفافة مؤطرة بالإنسانية التي يؤمن بها سلوكا وهي سمة ميزته، فطول حياته لم يدخل في مشاكسات أو مهاترات، بل كانت الموضوعية هي ركيزة يتكئ عليها فيما لو دخل في نقاش أو مداخلة، كما اشتهر بمحاولة الجمع والربط والصلح بين المتناوشين أو المتحاورين والمتخالفين في قضية أدبية أو فكرية، فلسان حاله يقول: "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية " ويصر عليها فقد كان واسطة سلام بين أصدقائه ومعارفه ما حببه لقلوب الجميع. إبراهيم الناصر رائد له بصماته القوية والواضحة والباقية في أعماله الروائية خاصة إضافة إلى القصة.. ولأنه علم فسيبقى علماً بما أثرى به المكتبة العربية من أعمال تستحق البقاء، وستكون حتما نبعاً ثراً لدراسات أكادييمة من قبل الدارسين في مجال الرواية والقصة لأنه سلك السبيل الصحيحة في مسيرته الطويلة المليئة بالعطاء الذي استمر فيه إلى آخر أيامه، فوداعه صعب ولكنه مصير الجميع. فليرحمك الله ياإبراهيم.. *نبض: قال كعب بن زهير: كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آله حدباء محمول