كنتُ غداً، وكان الغد يهطل من ذاكرتي.. على يميني اللا مرئي، وعلى شمالي اللا زمكان، خلفي الأزلية، أمامي الأبدية، وأنا الشعر في البرزخ... زحزحتُ بعضي عن بعضي، فأمطرَ كلي لغاتٍ.. اللغات موسيقا متجمدة، ذائبة، وملتهبة.. والمعاني تحتفظ بملامح الموتى.. وقبرُ أبي، كلمةٌ عائمةٌ بين نبضي.. أمي الغابات الدائرات بين المجرات.. والفصول بأرواحها الشوكية، لا تترك على الثلج إلاّ أثر أقدام تشبه ريحاً ستعبر من هنا.. وعبرتُني مع ما عبرني من رؤى.. لم ينبت السؤالُ إلا ليشير.. ولم تظهر الجهاتُ إلاّ لتختفي.. ولا أكون حيث أكون.. ولا تكون الأزمنة إلا إذا احترقتْ بمخيلتي.. كلّي متحول في المتحول.. والغامضُ، يشفّ إذا ما أبصرني.. ليست أنايَ هي الأنا، لكنها، أقرب ما تكون إليك وأنت تطرق بوابات هذه القصيدة، لتصل إلى الآتي، أو لتحزم الماضي، أو..، لتُشعل ما في أعماقك من أجنحة ورماد.. غائبةٌ في شطحة غائبةٍ فيّ.. أخبرتُ الأعشابَ عن مائها، فوشت الأغنية بالمجاهيل.. اتجهتْ إليّ المُحالاتُ، وسكرتْ بهذياني الإيقاعات.. فإذا ما نظرتَ إلى ظلك، ولم ترهُ، فاعلمْ، بأنك شففتَ حتى اختفيت.. هل تذكر كيف، من جهة اللا مرئي، عبرتْ قبورٌ، وأشجارٌ، وبراكين؟ إذا ما صادفتَ الغدَ، أخبرْهُ بأن الغدَ أصبح ذاكرةً من ماء ونار وأعاصير.. وأن الشعر ما يزال في البرزخ، أمام الأبدية، وخلفهُ، مازالت الأزليات تسابق الأزلية.. سكْرةٌ أخرى، وتفيض الأرواحُ، ويبينُ من الجليد، لحنٌ شفاف، أرجوانيٌّ مائلٌ إلى البنفسج.. كلما حلقَ إلى السماء، اعلمْ أنها تُمطر خارج الجهات.. من يدلّني في أيّ غدٍ يختبئ الغد؟