ما أصعب الغياب، وما أشد الفراق..! خاصةً عندما تغادر الروح من نوافذ الحياة (خروجًا بلا عودة)! ما أعظم أن نتذكّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفينة والأخرى، لعلّنا نقوّم أرواحنا الفانية، حيث قال: (أكثروا من ذكر هادم اللّذات). أعلم أنه صعبٌ على مَن كتب الله له البقاء في هذه الحياة، أن يبحث عن مَن يُحب، فلا يجد غير ذكراه، فيعود يسدّ رمق جوعه بقرعه نواقيس الذكرى. نموذجان يجولان بذاكرتي.. النموذج الأول: تعاملتُ مع اثنين (أحسبهما من الأخيار، والله حسيبهما): معالي الشيخ أحمد صلاح جمجوم، ومعالي الشيخ الدكتور محمد عبده يماني -رحمهما الله، وأسكنهما فسيح جناته- هما صاحبا دينٍ وخُلق لا يعرف الكِبر والتعالي طريقه إلى قلبيهما، بلغا من المناصب أعلاها، ومن المال أوفره، كانا عطوفين على الفقراء والمساكين، يتنافسان على عمل الخير وتلمّس احتياجات المعسرين. لا يكادان يسمعان عن عمل فيه رضا الله إلاّ وهما أول مَن يضع لبنة بنائه. أيقظا في ذاكرتي ما قرأته عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- عندما كانا يتنافسان لعمل الخير، وتلمس احتياجات المحتاجين. النموذج الثاني: تعاملتُ مع أناس آخرين، لربما أغراهم هذا الزمان المر الذي نعيشه. أمنيتهم أن يُشار لهم بالبنان، ويُقال عنهم إنهم من الرجال المغاوير. يتسلّقون على أكتاف غيرهم، يخدمهم في ذلك (فن مراوغة الحديث). يستعبدون مَن حولهم ليقدموا لهم الولاء والطاعة. تجدهم يتكلّمون من طرف ألسنتهم أجمل العبارات، ويتحدثون معك بأجمل اللغات، لكنهم.. يبطنون غير ما يظهرون، يبتسمون لك بابتسامات صفراء، وقلوبهم يملؤها الحقد والكراهية، يحسنون التملّق.. شعارهم (أنا ومن بعدي الطوفان)، لا يردعهم دين، ولا يردهم عن طغيانهم نصيحة، قدَّموا دنياهم على آخرتهم (فحسبنا الله ونعم الوكيل)، فهم يذكروننا بقول الشاعر: يُعْطِيكَ مِن طَرَفِ اللّسَانِ حَلاوَةً وَيَروغُ مِنّكَ كَمَا يَروغُ الثّعلَبُ لمثل هؤلاء ولنا جميعًا أقول: خيرًا للإنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يُحاسب، فأصعب شيء هو (غربة الروح). مَن منّا مستعدٌ للموت وسكراته؟ والقبر وضمته؟ وهل نحن مستعدون بالجواب عن أسئلة منكر ونكير؟ ولقاء العلي القدير؟ فاللهم ارحمنا إذا وورينا التراب، وغلقت علينا القبور، وانفض الأهل والأحباب. وارحمنا إذا فارقنا النعيم، وانقطع النسيم، وقيل ما غرّك بربك الكريم.. وسامحونا. فاكس: 6752388 [email protected]