لم أكن أتصور أن يصل بعض المذيعين والمذيعات العاملين بالإذاعات لمستويات ثقافية متدنية، من أجل لفت الانتباه لهم ولبرامجهم، خصوصاً أننا استبشرنا خيراً بتواجد عدد لابأس به من إذاعات ال FM، والتي تنوعت بتوجهاتها وإن كان التوجه الشبابي هو السمة الأبرز. قبل أيام كنت أستمع للمذيعة خديجة الوعل على إذاعة ال إم بي سي إف إم، وتفاجأت بمستوى الحوار الذي تتعامل به مع مستمعيها، خصوصاً أنني أعرف أن خديجة تملك خبرة اذاعية لا بأس بها، وليست جديدة على المستمعين، كما يحدث مع شباب بعض الإذاعات الجديدة. أنا هنا من باب احترام ذائقة القارئ لن أتحدث عن تفاصيل ما قامت به المذيعة خديجة الوعل، أتمنى أن يعي من يعملون خصوصاً عبر الاثير أن مغازلة أذن المستمع لا تأتي عبر ألفاظ تخدش الحياء، أو غير لائقة أدبياً، فالمذياع جهاز خطير جداً، نسبة التركيز بمحتواه تتجاوز التلفزيون، لذلك نجد أن من يحققون النجومية فيه هم المبدعون فقط وليسوا الخارجين عن الذوق العام. فلا نستغرب على مستوى التصنيفات الإعلامية ما تحظى به إذاعة القرآن الكريم من شعبية كبيرة، تجعلها تتقدم الإذاعات بالمملكة عند الحديث عن أكثر إذاعة من ناحية نسبة المستمعين حسب تصنيفات أشهر الوكالات الإعلانية، وهذا المؤشر دليل حيوي وملموس على أن المستمع يحتاج إلى هوية محددة للإذاعة التي يستمع لها، وهذا الذي نفتقده كثيراً بالإذاعات الموجودة لدينا، فكل برنامج مختلف عن الآخر، وكل مذيع يغني على ليلاه، مما أفقد المستمعين الثقة بما يستمعون له، حتى أنه من الطريف أن نجد خللاً بالذائقة الفنية لهذه الإذاعات، فالتخبط واضح، والعشوائية تغلب على الأكثرية، رغم أن قطاع الإذاعة مهم وحيوي والكل يريد استثماره بالملايين إعلانياً وإعلامياً، بعد أن كانت محتكرة له في الفترات السابقة إذاعة ال إم بي سي إف إم، والتي كانت تحقق دخلاً إعلانياً كبير جداً، قبل أن تتقاسم الكعكة الإذاعات الجديدة التي لازالت تدور في محيط البدايات. وأنا هنا أنصح الكثير من المذيعين والمذيعات الطامحين للتواجد والشهرة بأسرع الأوقات وبمختلف أنواع الأساليب حتى التافهة منها، التوجه لخدمة "كييك keek" واستغلال بلاغتهم والحرية اللفظية وغير الذوقية لهم للحديث للجمهور عبر أكثر من 36 ثانية، لأن المجال هنا متاح وردود الفعل مباشرة ودون قيود وسيعرف صاحب كل ثوانٍ غير لائقة الرد المناسب لما يقدمه سواء بالصوت أو بالصورة أيضاً، بدلاً من استغلال جهاز المذياع المحترم وعدم الإلمام بمبادئه الإعلامية والأخلاقية والتطفل على المستمعين بأمور غير لائقة، حتى ولو حاول البعض أن يعتبر أن الخيارات بتعددها أمام المستمع تتيح له اختيار ما يرغب، وهذا الأمر من وجهة نظري غير صحيح!. أنا هنا عندما أخذت المذيعة الوعل كنموذج ليس الهدف الحديث عنها بصفة فردية، ولكنها فتحت أمامي فرص الحديث أكثر عن الهبوط الذوقي الذي تقدمه كثير من الإذاعات بمحيطنا، وسبق لي أن تناولت هذا الموضوع بمقال سابق بهذا الخصوص تحت عنوان "الإذاعات الجديدة بين غنج مذيعة واستغلال برسائل نصية"، في محرم 1432، وللأسف بقي الحال كما هو عليه!.