في صباحات الرياض المكتظة بعوادم الفصول المحتشدة لصيفها الطويل ، والمحمومة بالزحام اليومي الذي لاينتهي .. يبدو ( مذياع السيارة ) رفيقًا حتميّا للذاهبين إلى أعمالهم وسط فوضى النعاس وضجيج العبور ، والنظرات العابسة تحت النظّارات السوداء ، ولهذا شعر الجميع بغبطة كبيرة مع توافر عدد أكبر من الإذاعات التي تحاول جاهدة تقديم لحظة نوعية مفتوحة ( للمرافقة ) والمؤانسة عبر برامج صباحية تحاول جاهدة افتعال التلقائية عبر عفوية متفاوتة بين إذاعة وأخرى ومذيع وآخر ، والعفوية الإذاعية الصباحية توجّه إعلامي متمدّن سبقتنا له مجتمعات مدنيّة كثيرة ، اختارت لبرامجها الصباحية مذيعين نوعيين من أهم مواصفاتهم قدرتهم على تنظيم عفويتهم استنادا على مخزون ثقافي ومعرفي وإن كان نسبيّا ، وللحق تبدو إذاعة ( ام بي سي اف ام ) أقدر الإذاعات وأجدرها على صناعة مثل هذه البرامج الصباحية المؤثرة والخفيفة ربما لخبراتها الإعلامية الطويلة والمتميزة ، ونجاحاتها كمؤسسة إعلامية رائدة على مستوى المسموع والمرئي معا ، في المقابل بدا لنا أن كثيرا من الإذاعات الأخرى مالت إلى ( التهريج ) في عفويتها معتمدة في ذلك على ما يمكن أن نصفها بوهم انتصاراتها في خرق التابو الاجتماعي ( المحافظ ) لاسيما فيما يتعلّق بالعفوية المحتشمة بين ( مذيع ومذيعة ) وهو ما نلمسه في كثير من البرامج الصباحية إذ يميل الحوار العفوي فيها إلى ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح سخافة وسطحية واستخفاف بالمستمع تجلب الغثيان المزمن للطريق المزدحم ... إحدى المذيعات في أحد هذه البرامج جاءت لنا بعد الفاصل الموسيقي لتحدثنا شامتة عن زميلها الذي بدأ شعره بالتساقط ، وآخر يستخف دمه بالسخرية من لهجة زميلته ، وآخر يسخر من متصل لا همّ له إلا ظهور صوته في الإذاعة و( التودد ) للمذيعة فضلا عن اختيار مواضيع مفتوحة يبدو الحديث فيها مكرّرا وممجوجا ... العفوية المدنيّة في برامج إذاعاتنا الصباحية جاءت بما يشبه ( زمن الشات ) لدينا قبل أكثر من عشرة أعوام فور انفتاحنا على الشبكة الالكترونية ، وبعد أن تجاوزناه كتابةً عدنا إليه مسموعا عبر هذه الإذاعات وبرامجها المفتوحة ... لست هنا منظّرا أو حتى واعظًا أخلاقيا .. لكنني أول الأمر وآخره أحد الذين اعتادوا المذياع في طريقهم إلى عملهم كل صباح ، وتعدد السخافات الإذاعية رحلة تبدأ بالملل وتنتهي بكآبة الزحام ..!