تأتي هذه الأغنية في مرحلة مفصلية من تاريخ البيتلز، الفرقة الرائدة في تاريخ الموسيقى الغربية، حيث ينضم إريك كلابتون عازف الجيتار الشهير والعضو في أكثر من فرقة مشهورة إبان سبعينيات القرن الماضي، إلى البيتلز في هذه الأغنية تحديداً، من أجل العزف المنفرد الذي أقنعه بأدائه جورج هاريسون عضو البيتلز وكاتب الأغنية، وكما كان يتوقع هاريسون فقد أصبحت الأغنية الأكثر نجاحاً ضمن الألبوم الأبيض الذي يحمل أحياناً اسم الفرقة والذي صدر مزدوجاً في عام 1968م. تحتل الأغنية مراتب متقدمة في كثير من التصنيفات الموسيقية، فهي الأغنية الخامسة والثلاثون بعد المائة في قائمة مجلة الرولينغ ستون لأفضل خمسمائة عمل غنائي في التاريخ، كما أنها جاءت في المرتبة السابعة بقائمة المجلة نفسها عن أفضل مائة أغنية جيتار في التاريخ، والعاشرة في قائمة أفضل مائة أغنية للبيتلز، ولعل كثيرا من عمليات إعادة التسجيل والتوزيع، التي صدرت عن العديد من الفنانين والفرق حول العالم ما يوحي ولو بشكل عرضي عن القيمة التي تحملها الأغنية سواء على صعيد البناء اللحني أو المضمون الفكري الذي تحمله كلمات القصيدة الغنائية. لعل الملهم الأول لهاريسون في كتابة القصيدة الغنائية هو "كتاب التغييرات" أحد أبرز كتب التراث الفلسفية في الصين، هاريسون يتحدث عن الأثر الذي تركه الكتاب عليه، حيث يقول: "بالنسبة إلي فإن ذلك يعتمد على المفهوم الشرقي في أن الأشياء مترابطة مع بعضها، في مقابل المفهوم الغربي الذي يؤكد أن الأمور تحدث بشكل عرضي بسيط". هاريسون التقط الفكرة من عنوان فرعي في كتاب وجده عندما كان في منزل والديه، كان العنوان "يبكي برفق" أو بلطف، وعليه بنى فكرته، عندما ينوح جيتاري برفق، ومن ثم بنى الأبيات الأخرى في مسألة الغائية والسبب ونفي فكرة الصدفة المتوغلة في الفكر الفلسفي الغربي. استمر هاريسون في كتابة الكلمات بروية حتى أنهاها تماماً قبيل التسجيل بوقت قصير، في الكلمات هاريسون يتحدث عن أفكار متعددة لكنها مترابطة مع بعضها، يناقش التحول الذي تتعرضه له محبوبته، كيف أن العالم يتغير، وأن على المرء أن يتعلم من أخطائه، وهو في ذلك يتساءل موجهاً الخطاب إلى محبوبته تحديداً، وكيف أنها سمحت للعالم بأن يتلاعب بها، يغويها، يحول أفكارها وأهدافها، ثم يبيعها رخيصة ويقبض الثمن. ثم يتحول الخطاب جمعياً عندما يقول هاريسون "أنا أنظر إليكم جميعاً". وكأنه يريد أن الحالة ظاهرة أكثر من كونها تصرفاً فردياً أو مراهقاً فقط. في اللحن الذي سجل مراراً من قبل هاريسون منفرداً، ومع الفرقة فيما بعد، كان لينون ومكارتني مترددين في إضافتها للألبوم الأبيض، هاريسون طلب من كلابتون أن يضيف جيتاره وأسلوب عزفه المنفرد الذي بدأ يشتهر به في ذلك الوقت، كلابتون اعتذر خوفاً من الأثر الذي يمكن أن يسببه وجوده كغريب بين أعضاء الفرقة، رغم صداقته القوية مع هاريسون، إلا أن الأثر جاء عكس توقعاته، ورحب به أعضاء الفرقة، وخلق وجود كلابتون جواً تنافسياً واضحاً، خلق تلك الجودة النوعية التي تميزت بها الأغنية، التي وفقت أيضاً بسبب وجودها ضمن ألبوم قوي يحمل العديد من الأعمال المميزة التي اشتهرت بها فرقة البيتلز. منذ بدايتها تبدأ الأغنية بمدخل بيانو تصاعدي، متزامن بشكل دقيق وذكي مع الجيتار المساعد الذي يعمل بشكل نابض في الخلف مع صوت الطبول، رينقو الذي يعود للفرقة بعد تهديد بالخروج يعزف الطبول بشكل منظم، حتى يطغى صوت الجيتار الرئيسي مؤذناً بالدخول في الأغنية، مجزءاً الأغنية على شكل مقاطع بين النصوص الرئيسة وبين الكورس المنخفض الذي يعتبر أحد بصمات البيتلز، بعد الكورس الثاني يبدأ كلابتون عزفه المنفرد مستخدماً جيتار الجيبسون ليز بول، جيتار ينوح بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث يختم الأغنية بالنواح الذي يتزامن مع تأوهات هاريسون الذي ينخفض صوته مع الجيتار لإغلاق الأغنية بتلاشي هادئ. من الطريف أن كلابتون الصديق المقرب لهاريسون، ارتبط بصداقة متينة مع جون لينون عضو البيتلز الآخر، والذي طلب منه أن يعزف له بعض الأغاني المنفردة دون اسم البيتلز. فيما بعد عندما بدأ هاريسون يهدد الفرقة بالانفصال، كانت الشائعات تؤكد بأن لينون سيستبدل كلابتون به مباشرة، وهو ما لم يحدث، لتبقى الأمور في دائرة الصداقة التي استمرت حتى مقتل لينون في عام 1980م. في عام 2004م وبعد وفاة هاريسون بثلاثة أعوام، تم تكريمه كفنان منفرد في "ردهة مشاهير الروك"، وقدمت الأغنية على شرف التكريم، من قبل ابنه داني، توم بيتي والهارتبريكرز، جيف ليني، ستيف فيرون، وبرينس، الذي قدم عزفاً منفرداً من نوعه، أعاد الإنتباه إليه كفنان حقيقي، بعد أن أخفته ثقافة البوب تحت بهرجة الألوان التي عبثت بحيويته الفنية.