الزمن، المسألة برمتها تدور حول الزمن، حيث يبدو أن لا فترة أنسب لانتشار هذه الأغنية والتوهج الذي حققته، سوى ثمانينات القرن الماضي، التي يحدث فيها انتقال فرقة مثل فورنير الانجلوأمريكية من نمط الروك الشائع في تلك الفترة، المخلص لأنماط ومواضيع عرف بها، إلى أغنية بالاد شعبية، أو ما يسمى الباور بالاد، نوع من الفن الذي قدمه كبار مثل تشارلز راي وجو كوكر، وتأثرت به فرق روك أخرى مثل، سكوربيون وليد زيبلين وايروسميث. لم يكن هذا الانتقال مفاجئاً، فالأثر الذي صنعه فن السول في الروك، واضح بشدة من خلال أغاني البالاد التي حققت انتشاراً واسعاً منذ بداية السبعينات، مروراً بعقد كامل إلى منتصف الثمانينات، حيث ظهرت أعمال مدهشة تدور حول رومانسية كلاسيكية، بهواجس عميقة حول الإنسان وعلاقته بغيره، ثم أفول نجمه ورحيله عن العالم. كتب هذه الأغنية أحد مؤسسي الفرقة وعازف الجيتار الرئيسي فيها ميك جونز منفرداً، رغم بعض الشائعات عن مشاركة لو غرام المغني الشهير بالفرقة في الكتابة. جونز كتب الكلمات ولحنها، على فترات مختلفة، حيث يصرح بأن الفترة التي كتب فيها الكلمات، كانت فترة ملهمة له في التفكير بموضوع كهذا، تلك العلاقات المتلاشية، بندوبها وجروحها التي يحاول الزمن طمرها، بأوهامها الخادعة في البداية، وآلامها العميقة مع انهيارها، ذلك البحث المحموم في رحلة طويلة وحيدة عن الحب، معناه وحقيقته، حاجته له قبل أن يتقدم به العمر، ليزيح الجبل الثقيل الذي يحمله على كتفيه، ليدفئ بشعاعه لياليه الباردة. رومانسية تقليدية يقال إن شعلتها، كانت علاقته بزوجته المستقبلية آن ديكستر جونز زوجة جونز، والتي طلقها بعد زواج دام خمسة وعشرين عاماً، إلا أن هذه الرومانسية وقفت على أكتاف لحن مكتوب بذكاء، لتكون أحد أفضل أعمال الثمانينات، وتحوز شهرة تجاوزت أمريكا، إلى أوروبا وأستراليا وجنوب إفريقيا. تبدأ الأغنية التي ظهرت في ألبوم "الوكيل الاستفزازي" عام 1984م، بنمط يبدو مألوفاً في صنف الروك، هدوء متناسب مع نغمة موحدة تسير بتوازن أسلوب المينليزم، مع طرقات فاصلة للبيانو، تختفي مع دخول صوت غرام، الذي يبدأ الغناء في أبيات رباعية، على مدى ثلاثة مقاطع، بهدوء في المقطعين الأولين، ثم ارتفاع مدهش في الثالث، ليسجل أحد أجمل مقاطع أغاني الثمانينات، ليأتي الكورال الشهير، مغلقاً الجزء الرئيسي، مع تداخل الآلات الأخرى بشكل حميمي، وتداخل أصوات الكورال الذي اشتركت فيه شخصيات معروفة في عالم الموسيقى الغربي، جينيفر هولداي من مسرحية "فتيات الأحلام"، فرقة البوب البريطانية "ذا ثومبسون توينز"، وأحد فرق التراتيل الكنسية بنيو جيرسي. أعيد تسجيل الأغنية وبنفس التوزيع، على يد العديد من الفنانين، لكن أشهرها كان تسجيل المغنية الأسترالية تينا أرينا، ونسخة الأمريكية مارايا كاري، التي أعادت الضوء لتحفة الثمانينات بصوت أنثوي متفجر، حاز على تقدير كثير من النقاد واستحسانهم، على الرغم من أن الجمهور ظل مخلصاً لنسخة الفورينر، حيث أضحت قداحات السجائر جاهزة للرفع، متى بدأت الفرقة عزفها في أحد حفلاتها التي ما زالت مستمرة حتى اليوم. تربعت الفرقة على عرش الأغاني المنفردة بالمملكة المتحدة في منتصف يناير عام 1985م واستقرت كذلك لمدة ثلاثة أسابيع، أما في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد اعتلت تصنيفات البيلبورد في مطلع فبراير من نفس العام، لتبقى أسبوعان متتاليان، وفي أستراليا ظلت الأولى على مدى خمسة أسابيع، كما أنها حصدت ترتيبات عليا في قوائم بلدان أخرى في كندا والنرويج والسويد وسويسرا وجنوب إفريقيا. كما تظهر دائماً في تصنيفات الفي اتش ون لأفضل أعمال الثمانينات، وضمن قائمة الخمسمائة الأفضل في تصنيف مجلة الرولينغ ستون الشهيرة. !!Article.footers.caption!!