عندما تقف على آثار ظلّت شاخصة منذ قرون -إن لم تكن آلافاً- تتعجب كيف حافظ سكان هذه البلاد عليها طوال هذه السنين العجاف؟، وكيف سلمت من عوامل التعرية المتعددة من الأمطار والسيول والعواصف ونحت الرياح؟، مثل آثار مدائن صالح، والجوف، وصخرة عنترة بالجواء بمنطقة القصيم وغيرها الكثير مما تحتضنه المملكة من كنوز أثرية رائعة. ولكن إذا اقتربت منها وأمعنت النظر اليها صدمتك الحقيقة المرة التي تتجرع غصتها، وهي التشوهات الظاهرة التي طالتها حديثاً؛ بسبب عبث مراهقين لا يعيرونها أي اهتمام؛ فتجد العبث ظاهراً بكتابات (بخاخ أبو ريالين)، أو الكتابة بأداة حادة بجانب كتابات ونقوش ورسومات أثرية، ويزداد عجبك أكثر عندما تعلم أن هذه الآثار المهمة والضاربة في القدم قد تم تسييجها وعمل حماية لها من قبل الهيئة العليا للسياحة والآثار -التي تضطلع بدور بارز ومهم في سبيل الحفاظ على هذه المكتسبات الوطنية- التي تعد معالم سياحية بارزة على المستويين العربي والعالمي على حد سواء، وهي محل اعجاب زوارها من مختلف بقاع الدنيا على اختلاف أجناسهم وألسنتهم. وقد خطت الهيئة خطوات سريعة في العمل على تطوير المواقع السياحية خاصة التراثية والأثرية على طول البلاد وعرضها، ولكن لم تردع تلك التسييجات والحماية ضعاف النفوس والمراهقين من تخطيها والعبث بها في ظاهرة غريبة ودخيلة على مجتمعنا. وطالب العديد من الزوار والسائحين والمهتمين بالآثار -ممن أشادوا بجهود الهيئة العليا للسياحة والآثار- بتطوير المواقع الأثرية، وتسهيل وصول السياح الى هذه المواقع، ونشر مكاتب وموظفين للتعريف بها، واستقبال الزوار، وتقديم الشرح لهم، كما أبدوا امتعاضهم من "حملة التشويه" المشينة بحق المكتسبات الوطنية والتاريخية التي تعد إرثاً وطنياً يفخر به الجميع. قلّة وعي وقال المواطن "عبدالرحمن بن حمد المجلي":"كم أكون سعيداً عندما أقف على آثار مهمة لها مئات السنين، وأتعجب لصمودها إلى هذا الوقت؛ فهي تحكي لنا التاريخ وتعيدنا إلى الوراء أزمنة بعيدة؛ نحلق بخيالنا الواسع فيها، ونعيش واقعها، ولكن صدمني وآلمني في الوقت نفسه ما طال هذه الآثار من تخريب متعمد، ربما يكون من مراهقين لا يدركون مدى أهميتها وماذا تعني لزوارها، فهناك نقوش قديمة من آلاف السنين طالتها أيدي العابثين بالتشويه والتحريف؛ ما أفقدها أهميتها وجمالها"، مشيراً إلى أن الجهل هو وراء هذه الأفعال المشينة، مناشداً المسؤولين في الهيئة العليا للسياحة والآثار بزيادة تثقيف الزوار؛ ونشر عبارات ولوحات توعي الزائرين في الحفاظ على الآثار من العبث، وكذلك زيادة الحراسة المشددة على هذه المواقع وإخضاعها للمراقبة الدائمة لمنع تكرار مثل هذه التشويهات الحاصلة. وسائل الحماية غير كافية وتحدث الأستاذ "عبدالله بن حمد بن علي الدعيج"، قائلاً:"العبث بالآثار يفقدها أهميتها التاريخية، والتمادي في ذلك قد يطمس هويتها، وكم أحس بالحرقة والألم عندما أشاهد العبث الذي طال العديد منها". وأضاف:"المحافظة على الآثار مسؤولية مشتركة بين الجميع من مواطنين ومسؤولين؛ لذا آمل من المسؤولين في الهيئة العليا للسياحة والآثار تكثيف الرقابة على هذه المواقع؛ بزيادة الحراس، وزيادة عدد كاميرات المراقبة على الأماكن التي تكون خفية على أعين الرقيب، والعمل على إزالة التشوهات التي طالت بعض الآثار بطريقة فنية تعيد لهذه الآثار رونقها وجمالها، كما آمل من الهيئة العمل على تجديد اللوحات الإرشادية في المواقع الأثرية التي طمست معالمها بفعل عوامل التعرية وتقلبات الجو". دور هيئة السياحة وأكد الأستاذ "صالح بن محمد الضويحي" -باحث آثار- على أن المحافظة على الآثار واجب وطني يجب أن يتأصل في نفوسنا، ونزرع في صغارنا احترامه والمحافظة عليه. وقال:"عندما تزور أي بلد خارج المملكة تجد اهتماماً منقطع النظير للحفاظ على هذه الآثار؛ ما يجعلك تحترم ثقافة هذا البلد وتحيي فيهم وطنيتهم وحبهم لأرضهم وتراثهم وآثارهم؛ لذا فإن الوعي ينقص عدداً من المترددين على هذه الآثار من مواطنينا، خاصة جيل الشباب الذين هم بحاجة ماسة وفعلية لتثقيفهم وغرس الاهتمام بالحفاظ على مكتسبات الوطن، ومن أهمها الآثار التي تبذل الهيئة العليا للسياحة والآثار جهوداً مضنية من أجل اكتشافها وتهيئتها للزوار والمحافظة عليها، مناشداً جميع الزوار من كبار السن مراقبة سلوك أبنائهم عند زيارة الآثار، ومراقبة تصرفاتهم لمنعهم من التشويه المتعمد والعبث، كما أناشد بتكثيف التوعية بأهمية الآثار والمحافظة عليها وزيادة التثقيف في جميع وسائل الإعلام والمدارس بأهمية المحافظة على هذه الآثار المهمة. تطبيق العقوبات وقال المواطن "محمد بن عبدالله الدايل" إن العبث في الآثار والتشويه الحاصل في عدد منها يعتبر تصرفاً غير لائق من البعض، خاصة من فئة الشباب والمراهقين ممن لا يعرفون أهميتها وقيمتها التاريخية، وربما يرجع هذا العبث والتشويه إلى الجهل بأهميتها؛ مما يستلزم تكثيف الرقابة على تلك المواقع التراثية المهمة وزيادة الوعي، والأهم من ذلك كله أن تصدر عقوبات تجرم هذا الفعل المشين، وأن تُسن عقوبات صارمة لهؤلاء العابثين وتطبيق عليهم الجزاءات الرادعة؛ ليكونوا عبرة لغيرهم وتحظى آثارنا بالحماية والخلود. باب خشبي في أحد القلاع لم يسلم من كتابات التشويه ذكريات مراهقين تمحو نقوشاً منذ قرون بخاخ بويه أبو ريالين يشوه النقوش الأثرية لوحة تعريفية لأحد المواقع الأثرية وضعتها الهيئة محا الزمن أثرها عبدالرحمن المجلي عبدالله الدعيج صالح الضويحي محمد الدايل