تتردد جملة «شيلوه للمستشفى.. وبس!» كثيراً على مسامع طاقم الإسعاف، فبعد أن يصل أفراد الهلال الأحمر إلى موقع البلاغ يفاجأون في الغالب برفض ذوي المريض الكشف عليه، مطالبين بسرعة نقله إلى المستشفى، متجاهلين كل محاولة إقناعهم بضرورة الكشف وتحديد مدى خطورة الحالة، والأسلوب الأمثل للتعامل معها، ولا يقف الأمر عند رفض الكشف؛ بل يصل أحياناً إلى التطاول والاعتداء البدني والمطاردات إلى مراكزهم، حال عدم الامتثال لطلباتهم، وغيرها من المفاجآت التي تنتظرهم، والبعض يرى في سيارة الإسعاف محل انتقاص وتندر لقصور وعيه وضعف ثقافته. نحتاج إلى عقوبات صارمة على من «يطارد سيارة الإسعاف» و«البلاغ الكاذب» وأبدى مسعفون في الهلال الأحمر تذمرهم من قلة وعي أفراد المجتمع، خاصةً قائدي المركبات، مطالبين بمساحات كافية في وسائل الإعلام، ومن أئمة المساجد، والمدارس، والجامعات؛ لنشر الوعي، حرصاً على تسهيل مهامهم وإنقاذاً لحياة البشر، بالإضافة إلى سن قوانين صارمة تحد من عبث المبلغين عن حالات لا تستدعي حضور المسعفين؛ مما قد يتسبب في التأخر عن حالات تحتاج تدخل المسعفين بشكل أسرع، حيث أنّ بعض الحالات غير عاجلة ويمكن لذوي المريض نقله لأقرب مستشفى بسيارتهم. بعض السائقين يعيق سيارة الإسعاف ويصعب مهمة «الوصول في الوقت المناسب» فجيعة الموت وذكر «مشاري الحربي» - مُسعف - أنّهم يمرون بمواقف في ظاهرها الطرافة لكنها لا تخلو من الألم، فأحياناً يخجل البعض من نقل المريض بسيارة الإسعاف، ويظهر الحرج على ملامحهم ويطلبون الدخول بسرعة إلى فناء المنزل وإطفاء «السيفتي»، وسرعة المغادرة حتى لا يراهم أحد، ووذلك رغبةً في عدم معرفة حالة مريضهم عند جيرانه ومعارفه، مبيّناً أنّهم لا يملكون إلاّ تفهم مثل تلك المشاعر والحرص قدر المستطاع على الجانب النفسي، مضيفاً: «باشرنا حالة غريبة، فبعد تلقي البلاغ والتوجه مع زميلي للموقع، فوجئت بتدافع على باب الفيلا، وكان منظراً غريباً أقرب ما يكون بفيلم وليس حقيقة، فقد كانت مجموعة من السيدات يحاولن دفع الأبواب للدخول، وهناك بالداخل مجموعة من الرجال يوصدونه، وبعد جهد تمكنا من إقناع السيدات بالابتعاد عن الباب لنتمكن من الدخول ومباشرة الحالة، وبعد معاينة المريض والفحص السريري وجدناه قد فارق الحياة، وأخبرنا أقاربه بوضعه، لكن الذي حدث أنّ طوفاناً من الجهة المقابلة اقتحم الغرفة بعد استشعارهم خبر وفاته وبدأ الصياح والنواح، وظهر التوتر على الجميع، وآثرنا الإنسحاب بهدوء بحجة تجهيز سيارة الإسعاف، وبعد وصولنا للمركز بخمس دقائق فوجئنا بقدوم مجموعة من أقارب المتوفى في حالة غضب مطالبين بنقله للمستشفى بحجة عدم وفاته، ورغم أنّ النظام لا يجيز نقل المتوفين، إلاّ أننا أفهمناهم أننا سنلحق بهم وغادرنا إلى سيارة الإسعاف حرصاً منا على إخلاء المقر، وبعد ذلك تم إبلاغ الدوريات الأمنية التي حضرت واستقبلتهم بعد عودتهم مرة أخرى». سطام العنزي ملاحقة الإسعاف وكشف «الحربي» أنّ أكبر مشكلة تواجههم كمسعفين وتشوه عمل الإسعاف وتنسف جهودهم؛ حين يغلق بعض قائدي المركبات مسار الطوارىء بالوقوف فيه؛ مما يتسبب في توقف حركة السير غالباً، وتكون سيارة الإسعاف غارقة وسط بحر من المركبات، في ظروف لا تحتمل التأخير، لافتاً إلى امتناع بعض السائقين الذين يقفون في المسار الإيمن من تجاوز الإشارات التي يتواجد بها «ساهر»، ومع ازدحام الشارع تضيء الإشارة عدة مرات ولم يتجاوزها، مناشداً المسؤولين في إدارة المرور بإيجاد حل المعاناتهم، منوهاً بموقف يتكرر كثيراً حيث يتابع البعض سيارة الإسعاف؛ مما قد يتسبب في حوادث مرورية، موضحاً أنّهم كانوا ينقلون مريضاً حالته متوسطة وليست خطيرة، انطلق أحد أبنائه بسارته خلف الإسعاف، وكاد أن يصطدم بهم أكثر من مرة، لدرجة أنّهم توقفوا لتنبيهه بضرورة عدم متابعتهم، وبعد مضي عدة دقائق سمعوا صوت ارتطام وتوقفوا ليتفاجأوا بأنّ الابن هو المتسبب في الحادث، ليتم نقله بجوار والده في عربة الإسعاف، وكانت حالته أكثر خطورة من والده. حاتم المطيري إهمال السائقين ولفت «أحمد الشيخ» -مُسعف- إلى معاناتهم أثناء نقل المريض للمستشفى حين يواجهون تعنت السائقين في عدم إفساح الطريق لهم، متجاهلين «ونان» الإسعاف، إضافة إلى عدم الالتزام بقواعد المرور التي تخصص المسار الأيمن من الطريق للطوارىء، كاشفاً عن اضطرارهم أحياناً لدفع المركبة التي تقف أمامهم، خاصةً عند التقاطعات؛ لما تقتضيه ظروف الحالات الحرجة التي تستدعي نقلها سريعاً، مبيّناً أنّ عمل المسعفين لا يخلو من مواقف نتيجة ضغط العمل والإعياء بعد ساعات طويلة، مشيراً إلى تفاجئهم بوجود مريض في سيارة الإسعاف حين تحركهم لمباشرة حالة، وحين سألوه عن سبب تواجده في سيارة الإسعاف ذكر أنّه تم نقله من حادث وبدلاً من أن يتم إيصاله إلى المستشفى اتجه المسعفون إلى المركز، فيما استغل مريض آخر توقف الإسعاف في شارع مزدحم لينزل ومغادرة السيارة دون أن يشعر به طاقم الإسعاف. مطاردة سيارة الإسعاف تكون سبباً في حوداث كارثية وأضاف «حاتم المطيري» -مُسعف-: «فوجىء مسعف وزميله بموقف محرج وخطير، حين أدخلوا مريضاً نفسياً عربة إسعاف وبعد الاطمئنان على حالته، وأثناء حديثهما مع رجال الأمن الذين حضروا مساندة لهم في الموقع تفاجأوا بتحرك سيارة الإسعاف، بعد أن تحرك المريض من مكانه إلى خلف المقود منطلقاً بسيارة الإسعاف، وبعد الإبلاغ عن سرقة الإسعاف تمكنت الجهات الأمنية من إيقاف السيارة بعد ارتطامها بعدة سيارات». الفحص الأولي يحدد طريقة التعامل مع المريض ثقة ضعيفة وقال «سلطان الحربي»: -مُسعف- «نتلقى بلاغات بسرعة التوجه لمباشرة حالة معينة، وحين نصل نفاجأ بأنّ طلب الإسعاف تم لحالة لا تستدعي نقل المريض بالإسعاف، فنقع في حرج وضيق، ومن ذلك حالة باشرناها لمريض خرج لاستقبالنا حين وصلنا للموقع، وبعد سؤالنا عن المريض أخبرنا أنّه هو المريض، لتنتابنا موجة من الغضب، لأنّه كان بصحة جيدة ولا يحتاج إلى إسعاف، وبعد سؤالنا عن سبب الاستدعاء برر ذلك بأنّه يعاني من حمى مالطية، ويرغب في نقله بالإسعاف فما كان منّا إلاّ الاعتذار عن نقله وإفهامه أنّه بتصرفه هذا قد يتسبب في وفاة حالة تستدعي تواجدنا بدل مباشرة مثل حالته»، مشيراً إلى دراستهم التخصصية طيلة أربع سنوات تتركز على المحافظة على المريض وتأمين الرعاية الطبية له، خلال الربع ساعة التي يتم فيها نقله لأقرب مستشفى، مبيّناً أنّه على الرغم من مرافقة طبيب للفريق الإسعافي في بعض الحالات، إلاّ أنّ الثقة مازالت ضعيفة!. يعاني المسعفون من تدني الوعي المجتمعي أثناء وقوع الحوادث معلم يحتجز مديره وأشار «سطام العنزي» إلى أنّ بلاغاً وردهم للتوجه لإحدى المدارس لأنّ معلماً خطراً يهدد حياة مدير المدرسة، حيث كان في حالة هيجان ولا يمكن السيطرة عليه، مضيفاً: «بعد وصولنا إلى المدرسة قابلنا أحد المعلمين على الباب مهولاً من الذي ينتظرنا في الداخل، وبالغ في وصف حالة المعلم وقدراته البدنية، وتوجهنا لمعاينة المعلم لنكتشف أنّه تجاوز حالة الغضب وكان يحاصر المدير في مكتبه، لكنه لم يؤذه، واستطعنا بمساعدة الدوريات الأمنية تهدئة المعلم وإخراج المدير من مكتبه بسلام». حالة سكر وأفاد «فهد المولد» أنّهم باشروا حالة لأسرة تحتجزها خادمة تتمتع ببنية جسمانية، وبعد الوصول للموقع وتأمين دخولهم من رجال الأمن فوجئوا بالخادمة تحمل صندوق جهاز تكييف وتهدد به كل من يقترب منها، وبعد جهود تمكن رجال الأمن من السيطرة عليها وإنقاذ الأسرة من خطرها، مشيراً إلى حالة أخرى لشاب كان في حالة غيبوبة داخل سيارته، وبعد وصولهم للموقع كان بجانب السيارة رجل مسن يلح عليهم في سرعة نقل المريض، وطلبوا منه أن يتركهم يعملون لأنّ كل حالة لها أسلوب إسعافي، ومن واقع المعاينة عرفوا أنّها حالة سكر وتمكنوا من إفاقته، وكان أول حديث للشاب هو تساؤله بسخرية عن وجود الرجل المسن، الذي دهش من ردة فعله بعد أن كان يلح في نقله حرصاً على سلامته ليكون هذا جزاء الجميل وعلق تعليقاً ساخراً كاد أن يتسبب في اشتباكهما مع بعض.