تسعى الكثير من الدوائر الحكومية والوزارات إلى حل مشاكلها عبر تشكيل اللجان حتى تحول ذلك إلى ظاهرة، مما أثار التساؤل حولها، فالتصريح بتشكيل لجنة هو المسكن لأوجاع الأخطاء التي تصدر من بعض الجهات، بل وهو المنقذ لأي محاولة لتفكيك مشكلة قد تكون حديث العامة، حتى تدخل تدريجياً في طور الانتظار، لكنها مع مرور الوقت تُنسى واللجنة مازالت تدرس المشكلة! ويبرز أكثر من سؤال مُتعلق بهذا الموضوع؛ فهل تشكيل اللجان هو حقيقة الحل في إطار المحاسبة والتدقيق؟ ومتى تتوقف الدوائر الحكومية عن تشكيل اللجان التي أصبحت تُفهم لدى عامة الناس على أنها محاولة لإجهاض المحاسبة وكشف الفساد؟ ومتى يكون هناك نظام واضح وصارم يلتزم به الجميع في مختلف الجهات الحكومية مع عدم وجود العشوائية؟ ومن المسؤول عن محاسبتها؟ لجان تحقيق في أوقات السيول غير كافية للحل إن ما نلمسه ونشاهده من تكوين لجان في كثير من الدوائر الحكومية لمعالجة السلبيات يُحتم وجود نظام مدروس وجزء لا يتجزأ من آلية العمل، يقود إلى عدم تشكيل اللجان إلاّ في حال استجد أمر جديد، كما أنه من المُهم دراسة ما يُتوقع من متغيرات مستقبلية كجزء من النظام، وفي حالة حدوث مشكلة توجد الحلول المناسبة فوراً، ولا مانع من إقرار أدلة إجرائية في كل أنظمتنا، بحيث تكون معلومة بين الناس جميعاً، حيث أن تشكيل اللجان أصبح لتعطيل المصالح، كما أنها تحتوي على اجتهادات خاطئة، فتتحول من هدف التسهيل إلى التعقيد، وقد قيل: "إذا أردت أن تقتل شيئا فأحله إلى لجنة"! إقرار نظام واضح يساعد على معالجة السلبيات محاولة التفات وقال "د. عبدالوهاب القحطاني" -أستاذ الإدارة الإستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن-: إن المشاكل التي تحدث في الدوائر الحكومية التي يُشكّل لها لجان تعود إلى عدم جدية المسؤولين والموظفين في تطبيق النظام المنظم للوائح، فلا يوجد هناك شفافية، ولا يوجد هناك جدية في تطبيق النظام، فتظهر الكثير من المشاكل في ذلك القطاع، وما تشكيل اللجان سوى محاولة لاستدراك خطأ ما، أو محاولة للوم الآخرين، سواء كان المواطن أو المراجع، مضيفاً أن عادة تشكيل اللجان انطلقت فكرتها من المنظمات الجادة لإيجاد الحلول للمشكلة والتعرف عليها، فقد تكون غير واضحة وظاهرة للمسؤول فتشكل اللجان، لكن حينما تُشكّل لبعض الإدارات الحكومية غير الجادة، فهذه ما هي إلاّ محاولة للقفز على النظام والدفاع عن المسؤولين عن تلك المشكلة، الذين هم من خلقوا المشكلة، مبيناً أن تشكيل اللجان ظاهرة لكنها لا تحل المشكلة، فما هي إلاّ محاولة للالتفاف على النظام، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال ما حدث في كارثة جدة، حيث تشكلت لجان لكن لا يظهر لنا أي نتائج، مؤكداً أن اللجان لا بد أن تحل المشكلات إذا ما أُقرت، وكذلك وضع الحلول المناسبة وليس للدفاع عن المسؤول، أو تغطية المشكلة. تأخر المشروعات يكشف عن عشوائية العمل في بعض الوزارات نظام محدد ودعا "د. القحطاني" إلى ضرورة أن يكون هناك نظام محدد يلتزم به المسؤول والموظف في الدوائر الحكومية، كما يجب أن يكون هناك شفافية، مضيفاً أن النظام مكتوب وجزء من حياة الموظف وليس موضوعا على "الرف" حينما يرغب المدير بتطبيقه يأخذه وحينما لا يرغب يجنبه في تعاملاته، مُشدداً على أهمية وجود نظام واضح ومدروس وجزء لا يتجزأ من آلية العمل، مؤكداً على أنه إذا وجد الوضوح والشفافية فإن ذلك لن يفتح باباً لتشكيل اللجان إلاّ في حالة وجود مشكلة جديدة من نوعها لم يتطرق لها النظام، لافتاً إلى أنه من الأجدر أن يتم بحث الحلول عبر لجان ومن ثم يتم ضم ما يتوقع من مشاكل ومتغيرات مستقبلية كجزء من النظام، وفي حالة حدوث مشكلة توجد الحلول أو اللجنة المناسبة، ذاكراً أنه ينبغي أن لا نتوقع أن النظام سليم بكل ما يستجد ويتوقع التغيرات المستقبلية، فذلك صعب جداًّ على من المنظور العلمي، فالمملكة ليست مستثناة مما يحدث في العالم، مبيناً أنه من المهم وجود نظام وشفافية كافية، فالموظف والمسؤول والمواطن على علم بالإجراءات والأنظمة المتبعة تجاه مشكلة معينة أو إنهاء معاملة معينة. د. عبدالوهاب القحطاني وأضاف أنه أصبحت الحكومة الإلكترونية جزءا لا يتجزأ من الإجراءات المتبعة في المملكة وفي إنهاء المعاملات، لكن نسبة من المواطنين لا يزالون لا يؤمنون سوى بأوراق يمسك بها بيده، بل ولا يحاولون أن يثقوا بالحكومة الإلكترونية، مؤكداً أن التغير يحدث بين فترة أخرى بسبب التطور التكنولوجي والاجتماعي والمعرفي، والنظام حينما يكون مكتوبا وواضحا للجميع فليس هناك ما يسمى بالمبادرات الارتجالية، وهو من التجاوزات. د. سعد الناجم هناك تناقض وأوضح "د. سعد الناجم" -أستاذ الإدارة والإعلام بجامعة الملك فيصل- أن تشكيل اللجان محاولة ل "حلحلة" النظام، فيقال: "إذا أردت أن تقتل شيئا فأحله إلى لجنة"، مضيفاً أن ذلك محاولة لقتل المطالب، فالقضية الحقيقية أن اللجان توجد لأن هناك افتقارا لتطبيق النظام، وأي قانون أو نظام لا بد أن يكون له خطوات، مبيناً أن الكثير من القوانين عبارة عن نصوص صماء، وتحتاج إلى تفسيرات، وتكون في أيدي الإداريين فيتم تحويلها إلى لجان إما للتفسير أو التفكيك، ذاكراً أنه يوجد هناك تناقض ما بين بعض الجهات لأمر معين في نص محدد، ذاكراً أن هناك قرارت هامة توكل من لجنة إلى أخرى فيتم أحياناً إغلاقها أو يتم فتحها، مشيراً إلى أننا بحاجة إلى أدلة إجرائية في كل أنظمتنا، بحيث تكون معلومة بين الناس جميعاً، وهذا ما يجب أن يحدث إدارياً، مؤكداً أن تشكيل اللجان أصبح لتعطيل مصالح المواطنين، كما أن بها شيئا من الثقل، وتحتوي على اجتهادات خاطئة، فتتحول من هدف التسهيل إلى التعقيد، موضحاً أنه متى ما وجدت الأدلة المثبتة في أي قضية فإننا لا نحتاج إلى وجود لجنة، فمن تنطبق عليه الشروط يحكم به النظام. د. سعد الزهراني عنصر مشترك وأكد "د. الناجم" أن قرار تشكيل اللجان يكون من ضمن الصلاحيات الموجودة لدى تشكيل الوزارة المؤقتة، أو من صلاحيات الإداري أو الوزير، متأسفاً على أن بعض اللجان "منفعية" خاصةً التي يكون فيها بدلات، فنجد أن هناك عنصرا مشتركا في عشرين لجنة أخرى، سواء في جهة عمله أو في جهات أخرى، متسائلاً: هل لجاننا تخصصية؟ وهل من يمثلها تخصصي في الموضوع المطروح؟ أم أن هناك من يناقش قضايا ليست في تخصصه أصلاً؟ لكن عُرف بأنه في اللجنة الفلانية، مُشدداً على أهمية وجود متخصصين يحلون الإشكال في النظام، فعلى سبيل المثال اللوائح التنظيمية الداخلية في بعض الجهات يتم إرجاعها إلى الجهات العليا للاستفسار عنها، موضحاً أن التفسيرات النظامية تُعد من أهم أسباب الفساد الإداري لدينا في المملكة؛ لأن التفسيرات تأتي بناء على رغبات البعض، ذاكراً أن الاجتهاد لا بد أن يكون موجودا في أمور محكومة بالنظام. إدارة البلازما وقال "د. سعد الزهراني" -أستاذ الإدارة والتخطيط في جامعة أم القرى-: إن الاعتماد على تشكيل اللجان هو ظاهرة من الظواهر التي تسمى ب "إدارة البلازما"، فكلما حدثت أزمة في دائرة حكومية أو قطاع عمل تم تشكيل لجنة لحلها، مضيفاً أن ليس لدينا أنظمة وقوانين تتعامل مع القضية، بل وتُغطي كل ما يمكن أن يحدث من مشكلات في الإدارة، مبيناً أن غياب الأنظمة واللوائح أدى إلى سياسة تشكيل اللجان في التعامل مع القضايا، مشيراً إلى أن ذلك يُعد نوعا من التعبير على وجود التمركز، فهذه اللجان بطبيعتها تفتقر إلى القدرة على حل مشكلة معينة بطريقة محددة أو محاولة الحيلولة لوقوعها مرةً أخرى، فيتم تشكيل اللجان لحل المشكلة، وربما تنتهي ثم تعود من جديد فيتم تشكيل لجنة أخرى، مشدداً على ضرورة أن يكون لدينا أنظمة وسياسات وإجراءات تتعامل مع أي مشكلة تحدث، عبر العودة إلى الأنظمة والإجراءات، وبدلاً من الاعتماد على حل كل قضية في حينها وقد تعود بعد فترة، لافتاً إلى أن هذه ما تسمى ب "إدارة البلازما"، مؤكداً أنه حينما توجد الأنظمة فإننا لا نحتاج إلى الحلول المؤقتة التي تضعها تلك اللجان المُشكلة. افتقار اللوائح وأوضح "د. الزهراني" أن أهمية اللجان الحقيقية تكمن في وضع السياسات والتطبيقات، وكذلك العمل بشكل يضمن استمراره بشكل جيد، مُشدداً على ضرورة أن يكون لكل قطاع سياسته الخاصة وقواعده وإجراءاته التي تغطي جميع جوانب العمل، وتكون لهذه القطاعات الخطوات التي تتبعها في إيجاد أي عمل أو حل لمشكلاته، كذلك لا بد أن لا تكون عشوائية وتترك القضايا في حالة غموض، وفي هذه الحالة لا تكون مجدية؛ لأن الأساس أن تغطي الأنظمة جميع الحالات والمشكلات، لكن مع الأسف هناك فراغ ملموس في هذا الجانب؛ لأن النظام يراقب المسؤول، والمسؤول هو من يوكل إليه حل المشكلات، ذاكراً أن كثيرا من الأجهزة تفتقر إلى نظام اللوائح والسياسيات التي تتعلق بحل المشكلات، لذلك تحاول باللجوء إلى تشكيل اللجان إيجاد الحلول، لكن هذه اللجان لا تُعطي حلولا جذرية لمنع تكرار هذه المشكلة من خلال الأنظمة، بل إنها تحل المشكلة وحينما تتكرر يتم تشكيل لجنة تقر قواعد وإجراءات لحلها تختلف عن اللجنة السابقة!