وضع الدكتور حسن الشامي في مقدمة كتابه "حكايات المرأة العربية" الإطار المنهجي الذي تتسم به المرأة بشكل عام مفرقًا بين نوعين من النساء حسب رؤية المرأة للعالم من حولها. ويعد هذا الكتاب من المراجع الأساسية في الحكايات الشعبية التي ترويها النساء وطريقة الرواية وعلاقتها بالمضمون الثقافي للحكاية والسياق الاجتماعي والنفسي المحيط بتلك الحكايات، وصلة ذلك بشخصية المرأة التي تكون راوية أو بطلة أو مستمعة. ومع أهمية هذا الكتاب الذي يعكف كاتب هذه السطور على ترجمته، فإننا سنركز في هذه المقالة على التفريق بين صنفين من النساء حسب ماورد في الكتاب. والتفريق هنا قائم على الطريقة التي تفكر فيها كل امرأة؛ فهناك صنف نادر من النساء وهو ما أسماه ب"المرأة الرجل"، ويقصد بذلك المرأة التي تفكر بطريقة أقرب إلى تفكير الرجل وتتصرّف وفقًا لذلك، فتجد في نفسها الحرية والانطلاق في تعاملها مع الآخرين، فإذا ذهبت إلى العمل أو التسوق أو لمراجعة أي جهة فإنه لايخيفها التعامل مع الرجال لأنها واثقة من نفسها ولاتشك في ذاتها لحظة، وتأخذ حقها وتمضي في سبيلها دون أن تتغنج في الصوت أو تميل في القول أو تُضاحك الآخرين، ولهذا فقلّ أن يجد هذا النوع من النساء مضايقة من أحد، وحتى لو حصلت المضايقة فإنها لاتستمر إذ سرعان ما يجد الشخصُ أن هذه امرأة جادّة ومختلفة عما في ذهنه فيدعها وشأنها. وتتسم شخصية هذا المرأة بأنها لاتهتم بالأمور الصغيرة التي تمرّ عليها في الحياة فقلّما تسأل عن التفاصيل الدقيقة، فمثلا لايعنيها كثيرًا أن تسأل عن اسم الجار واسم زوجته وأين يعملان وأسماء أولادهما وبناتهما وأنسابهما وعدد سياراتهما والعاملات لديهما..إلخ، وتكتفي بما يصلها من معلومات عنهما. في الغالب، تهتم هذه الشخصية بمنطق اللغة وليس بمنطوقها، فلا تستفزها الكلمات والتعبيرات السريعة ولكنها تنظر إلى الموضوع بشكل متكامل، فلو قصّر زوجها مثلا في عمل شيء معين فإنها تفسّر ذلك بأنه بسبب انشغاله بالعمل وبدلا من تقريعه ولومه على التقصير فإنها تعتذر له عن إشغالها له بهذا الطلب في هذا الوقت. ويساعدها ذكاؤها على فهم شخصية الآخرين والتعامل معهم بسلاسة، فالطفل والمراهق والجاهل والعصبي وغيرهم يحتاجون إلى طرق مختلفة في التعامل معهم وتجدها تحسن تقدير الموقف ولاتثير حفيظة الآخرين ضدها لأنها قادرة على امتصاص الغضب وتهدئة النفوس وإدخال الفكاهة والمرح إلى النفوس المتوترة. ومن سماتها أنها متسالمة مع ذاتها فلا تشعر بمحاصرة الزمن لها، فهي تُعطي نفسها وتُعطي غيرها الوقت المناسب دون أن تُمارس الضغوط وتجلب القلق كما تفعل بعض النساء. ويجد المؤلف أن هذه المرأة تجد الثقة والشجاعة في ذاتها بسبب ماتملكه من ذكاء اجتماعي وذكاء لغوي متميزين، وفي الغالب فإن النجاح حليف هذه الشخصية على مستوى الحياة الشخصية والاجتماعية والعملية. أما المرأة الأنثى فهي الصفة الغالبة على النساء جميعًا، وهي صفة نفسية وعقلية أولها سرعة الانفعال وتأجّج العاطفة وتلوّنها بين وقت وآخر، والحكم على المواقف والأشخاص من خلال تلك العاطفة التي قد تمدح الشخص مدحًا مفرطًا وقد تذمّه في الغد وتقدح به قدحًا مسفًا، ومن سماتها الشعور بالضعف دائمًا أمام الرجل وأمام الغرباء والخوف من أي تجربة جديدة. ومهما بلغت هذه المرأة من الجمال الشكلي فإنها تحاول لفت الانتباه إليها بالمكياج الصارخ أو الملابس الغريبة أو الغنج والضحك المتكلف، ويتنتابها مشاعر مختلطة بين الغرور تارة وبين الخنوع تارة أخرى، وهذا ناتج عن إحساسها بالتهديد من المجتمع بأنه يحتقرها معنويًا ويقلل من قيمتها. كما تشعر بالتهديد من النساء بأنهن يحسدنها ويردن اختطاف زوجها إن كانت متزوجة أو يحرمنها من الزواج إن كانت لم تتزوج. كما تشعر بالتهديد من الرجل بأنه يستغلها ويُغرر بها بل ويبتزها حتى لو كان والدها أو أخاها أو زوجها وتخاف دائمًا من الخيانة وتعيش حياتها قلقًا دائمًا وخشية من المستقبل، وتعصف بحياتها الكوابيس فتلاحق الأحلام وتبحث عن أي رمز يُؤيد ما في ذهنها من مخاوف فتتشبث به لكي تعيش في دوامة الخوف إلى الأبد. وهذا النوع من النساء تنقل العدوى إلى بناتها ومن حولها وتُؤسس لعائلة مرعوبة تعتمد على الشك الدائم والخوف المتزايد. ومن خلال التجارب، فإن مواصفات هذه المرأة -التي يُسميها بالمرأة الأنثى- تنطبق على بعض الرجال الذين يوصفون ب"الرجل الأنثى"، ممّن يشاركون المرأة الصفات السابقة في خوفهم من المستقبل وتعاملهم السطحي مع اللغة المنطوقة دون التفكير في منطق اللغة، وتجد رؤيتهم للعالم محصورة في إطار عاطفي متقلّب. ولهذا، فإن مستوى الإنجاز في العمل يقل عند هذا النوع من الشخصيات بسبب انشغال الشخص في إغراق ذهنه بوجود مؤامرات ودسائس تُحاك ضدّه وأن هناك من يتربّص به أو يُحاول إبعاده أو الإيقاع به، وبسبب هذه المخاوف التي تتوالد من بعضها البعض وتتفاقم مع الزمن فإنه يجد نفسه ذات يوم غير قادر إلا على تنفيذ الأعمال الروتينية، وهو مايجعل حياته أقرب إلى الفشل على مختلف مستوياتها.