هنالك تقاطع مصالح بين الرئيس العراقي السابق والولاياتالمتحدة الأميركية، فتطورات الأحداث أكدت أن صدام حسين كان حريصاً على حياته أكثر من أي اعتبار آخر، فهو لا يسأل عن مصير العراق ولا يهتم لمقتل أولاده أو تشريد عائلته الصغيرة لا أحد يعرف حقيقة أوضاع اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين وأركان حكمه، وكل ما هو معروف ومؤكد ان التحقيقات والمحاكمة تتم وفق الإيقاع الذي تريده أميركا، فلا يهم أن يعترف طارق عزيز أن صدام وحده هو المسؤول عن المذابح ضد الشيعة في الجنوب في العام 1991، كما لا تهم كل التسريبات حول اعترافات أخرى وكل ذلك من أجل المزيد من التشويق الدرامي. الأهم في رأينا هو اختزال الكارثة العراقية وليل الاحتلال الحالك إما بالتركيز على شخص وعلى مجريات التحقيق معه والتي لا تزيد على كونها مقاطع روائية ومسرحية وكلاماً للاستهلاك والتسلية والتمويه، فمصير الرئيس وأعوانه حسم بسقوط بغداد، وبالرغم من أن المخرج يحاول توظيف الرموز لصالح تكريس الاحتلال وإشغال الشعب العراقي وإلهاء الشعب الأميركي وخداعه وذلك عبر محاولة اختصار جريمة احتلال العراق بالإثارة الإعلامية والتركيز على أبطال ونجوم اللعبة المسرحية... ولا يخفى أن هنالك تقاطع مصالح بين الرئيس العراقي السابق والولاياتالمتحدة الأميركية، فتطورات الأحداث أكدت أن صدام حسين كان حريصاً على حياته أكثر من أي اعتبار آخر، فهو لا يسأل عن مصير العراق ولا يهتم لمقتل أولاده أو تشريد عائلته الصغيرة، وإذا صحت رواية وزير الخارجية الروسي السابق بريماكوف التي نشرها مؤخراً وأكد فيها أن صدام سلم بغداد للأميركان، فإن لذلك ثمناً واحداً هو حياته. ولعل صدام يشعر أنه محظوظ لأن كل رؤساء العراق الذين تعرضوا لانقلابات تمت تصفيتهم منذ اليوم الأول ويجد نفسه اليوم بعد حوالي عامين وثلاثة أشهر حياً وموضع اهتمام العالم فذلك لا بد أن يكون نعمة بالنسبة له، بالإضافة إلى أن كل المؤشرات تؤكد أن محاكمته لن تكون سريعة كما أكد ذلك القاضي الحوجي في نهاية حزيران من العام 2005، حيث قال إن أمامه بحثاً طويلاً وملفات عديدة قبل أن تبدأ محاكمة صدام حسين، معلناً رفضه لدعوات الحكومة العراقية باستعجال المحاكمة التي يمكن أن تتم في العام 2006 أو بعد ذلك، أما الأميركان فلا ينفون تريثهم كما لا يخفون أن هنالك صفقات أو مفاجآت قد تقع قبل الانتهاء من المحاكمة. ويمكن القول ان حياة صدام حسين السياسية هي سلسلة من الألغاز والمفاجآت والإثارة الدرامية منذ أن وضعت أميركا عينها عليه، وقد حقق صدام حسين لأميركا كل ما تريده وأكثر مما تريد بشكل مباشر أو غير مباشر وعن طريق الأفعال وعن طريق ردود الأفعال والنتيجة واحدة وهي هي سواء قام بهذا الدور عن وعي وعلم وتوظيف لكل قدراته في المخطط المرسوم، أم انه كان جزءاً من هذا المخطط بدون وعي حيث يعتقد البعض أن القوة العظمى أصبحت قادرة على معرفة خصائص وطبيعة وردود فعل الأشخاص الذين تستطيع أن تبرمجهم كما تريد ودفعهم لعمل كل ما تريد... ولا يخفى أن الولاياتالمتحدة الأميركية تسعى لاستغلال ما تبقى له من حياة ودور لخدمة مخططاتها وآخر هذه المشاهد المتسلسلة تمثلت في سقوط بغداد ثم عملية اعتقاله وأخيراً الفصل الذي يبدو مثيراً وطويلاً وتحت ستاره ستمر أشياء كثيرة خاصة أن الناس في الوطن العربي انشغلت بالتحقيق مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأركان حكمه، كما كان هذا الموضوع مثار اهتمام عالمي وبشكل خاص في الولاياتالمتحدة الأميركية، حيث يضيف هذا المشهد فصلاً درامياً جديداً في التمثيلية المستمرة. ومع اختلاف التسميات فإن الولاياتالمتحدة الأميركية نجحت في أن تحول الموضوع العراقي إلى دراما قد تكون تمثيلية أو مسرحية أو على الأغلب تحولها إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني مدروس بعمق وهو عمل درامي استخدمت فيه كل عناصر الإبهار الفني والإثارة والحبكة المحكمة والمفاجآت التي تشد المشاهد عبر الرمزية وسحر الصورة والقدرة على توقيت وتوظيف المشهد الإعلامي لخدمة الفكرة التي يريد إيصالها المخرج الأميركي... وقد قصدت سلطة الاحتلال منذ اليوم الأول لسقوط بغداد أن تركز على رموز النظام السابق بوضع صور أبرزهم على ورق «الشدة»، وكلما كانت تعتقل واحداً منهم كانت تسقط ورقته، ولكن كان هنالك مشهد ولو أنه صغير عند اعتقال أي واحد أو استسلامه، يضاف إلى المسلسل وكما نذكر جميعاً فإن أميركا حرصت أن يكون المشهد الأول يوم سقوط بغداد في 9 نيسان هو اسقاط تمثال صدام حسين وأعطت لمعارضيه فرصة إعداد التمثال وتدميره وكله تعويضاً عن إعدام الشخص نفسه وذلك تنفيساً لكل الأحقاد الكامنة التي تعيد إنتاج عمليات السجل صباح 14 تموز وكل المناسبات العراقية اللاحقة المشبعة بالانتقام. وعلى ضوء التطورات في سياق ما تريده أميركا فإنه لايستبعد إطالة أمد المحاكمة إلى ما شاء الله أو إيجاد مخرج ما للإبقاء على حياة صدام مكافأة لماضيه مع أميركا، ولعل في الحديث عن مفاوضات من قيادات المقاومة السنية في اواخر حزيران 2005 ما يبعث على الاعتقاد بوجود صفقة سرية تستند إلى تاريخ طويل من التعامل، وليس سراً أن الولاياتالمتحدة الأميركية قد استثمرت صدام حسين كورقة سياسية منذ 45 عاماً، وتحديداً منذ تم تشكيل فرقة في العام 1959 لاغتيال رئيس العراق الأسبق عبدالكريم قاسم، وقد كانت فرقة الاغتيال هذه بقيادة إياد سعيد ثابت وقتل فيها أبرز المنفذين عبدالكريم الغريري ونجا البقية بمن فيهم صدام حسين الذي كان دوره ثانوياً، وعندما وصل البعثيون إلى السلطة في شباط من العام 1963 على قطار أميركي كما هو معروف لم يكن صدام حسين شيئاً يذكر، لكنه عاد بعد الانقلاب البعثي الثاني في تموز في العام 1968 وهو في موقع متقدم بموجب لائحة الانقلاب الذي نفذه عبدالرزاق النايف بمساعدة قائد الحرس الجمهوري إبراهيم الداود، وأعطي صدام دوراً أكبر بعد القضاء على النايف والداود في 30 تموز من العام 1968 بعد أقل من أسبوعين من الانقلاب الأول في 17 تموز. ويومها كان واضحاً أن قوة خفية دفعت بهذا الشاب إلى المقدمة، بل انه من السنة الأولى انفرد بحكم العراق وتحول رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر إلى واجهة إلى أن أزاحه صدام في العام 1979 ومنذ العام 1959 يوم أرادت أميركا التخلص من رعاية عبدالكريم قاسم للشيوعيين والتصاقه بالاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي إلى العام 1969 عندما استأثر صدام بالسلطة في ظل البكر إلى العام 1979 عندما أصبح الحاكم المطلق، فاندفع بفتح مواجهة مع إيران منذ اليوم الأول لانفراده بالحكم والقرار وشن حرباً على إيران ابتداءً من العام 1980 واستمرت هذه الحرب 8 سنوات وأدت إلى دمار قوة العراق وإيران معاً، وكانت الولاياتالمتحدةسعيدة جداً بنتيجة هذه الحرب كما كانت سعيدة بشعارات نظام صدام وبشكل خاص مزاعم تدمير إسرائيل التي ضربت مفاعله النووي في العام 1981 ولم يحرك ساكناً... وخلاصة القول ان الحديث مع قيادات المقاومة السنية والحديث عن إطالة أمد المحاكمة بصدام حسين يخدم هدفه بالبقاء حياً، ويخدم توجه أميركا باستغلال كل يوم في حياته حيث لايخفى أن الولاياتالمتحدة الأميركية كانت وما زالت حريصة على حياته بمقدار ما يخدم ذلك السيناريو المرسوم لتكريس احتلالها للعراق. ولا يشك أحد أن انشغال العراق والعالم بمسرحية المحاكمة واختزال القضية العراقية بملهاة مناقشة التهم وأطنان من الاوراق والآلاف من القضايا والغرق في جدل حول ملفات النظام السابق وتركيز الأضواء على حركات وسكنات الرئيس وإغناء السيناريو بكل ما من شأنه أن يصرف الأنظار عن المأساة الحقيقية التي يعيشها العراق، كل ذلك وكل ما يمكن أن يجد هو لصالح أميركا.. ولذلك فإن أميركا تسعى لأن تكون هذه المحاكمة طويلة إلى الحد الذي ينسى فيه الشعب العراقي ليل الاحتلال ما دامت عدسات الكاميرا تضيء سماء المشهد المسرحي عبر هذه المحاكمة الملهاة وغيرها من الأحداث الجانبية..