كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة الاستشارات الإدارية بوز أند كومباني بالتعاون مع معهد التسويق الغذائي حول بيع البقالة بالتجزئة في الولاياتالمتحدة عن نتائج ملحوظة في هذا القطاع لا سيما بالنسبة إلى قطاع التجزئة بشكل عام. حيث أشارت التحليلات التي هدفت إلى النظر للوضع الحالي لتجارة الأغذية بالتجزئة في السوق الأميركية إلى أنه يتوقع أن تعزز الاتجاهات القادمة واقع قطاع التجزئة التنافسي والديناميكي، كما وتسلط البيانات الجديدة الضوء على أربع قوى مُهمة لإعادة تشكيل تنافُسية القطاع خلال السنوات القليلة المُقبلة وهي التحول الدائم إلى البحث عن التكلفة المنخفضة بين العملاء، وصعود التسوق المُرتكز على التكنولوجيا، وازدياد التطور الإلكتروني، والابتكار في الشكل والسلعة. وقد تعود نتائج هذه الدراسة بالفائدة على التجار في الشرق الأوسط الذين يجب أن يتنبهوا لهذه القوى، فالتخلّف عن الاستجابة بفعالية لها قد يؤدي بهم إلى خسارة الحصص السوقية وتراجُع الربحية ورُبما الاندثار من السوق. البحث عن التخفيض ويُشير الاستطلاع إلى وجود 50 إلى 60 بالمئة من المتسوقين اليوم ممن يصفُون أنفسهم بأنهم "باحثون عن منتجات غير مُكلفة ولطالما كانوا كذلك". في الحقيقة، دفعّت الأزمة الحالية نسبة إضافية من المتسوقين تتراوح بين 20 إلى 30 بالمئة إلى اعتماد نفس النهج الذي يبحث عن توفير التكلفة سعيًا منهم للتكيّف مع ظروفهم الضيقة أو رغبةً منهم في اتباع مجموعة من السلوكيات المُقتصدة والتي تعتبر "مقبولة". وقد أدى هذا إلى تراجع التكاليف الإجمالية عبر البحث عن أفضل عروض البقالة واقتطاع القسائم وشراء المُنتجات ذات العلامات التجارية الخاصة وليس العالمية وتناول الطعام في المنزل بدلاً من تناوله خارج المنزل وتوظيف بقايا الطعام وتقليص المُشتريات لتقتصر على المواد الاستهلاكية التي لا يتم الاستغناء عنها فقط. ويشرح مدير أول في "بوز أند كومباني" كارل نادر أنه من المُثير للاهتمام أن غالبية هؤلاء المُتسوقين المُقتصدين الجُدد يقولون إنهم لن يعودوا إلى سلوكياتهم السابقة عند انتهاء فترة الأزمة. وهذا واضح جداً، ففي الشرق الأوسط، أصبح النظر إلى الأسعار مسألة مهمة للغاية. ونتيجةً لذلك، يعمل تُجار التجزئة على زيادة إنتاج العلامات التُجارية الخاصة وتخفيض تكلفتها لتلبية احتياجات المتسوقين، كما نمت حصة العلامة التجارية الخاصة خلال الأعوام الأخيرة بما يتفق مع تجميع خدمات التجزئة في الشرق الأوسط؛ وتركيز القدرة التنافُسية للأسعار على الفئات عالية الطلب مثل منتجات الحليب والعصائر والمنظفات، ويسمح بإبقاء الهوامش مُركزة على الفئات متدنية الانتشار؛ ومُراجعة النفقات التشغيلية بعناية لإدارة التكاليف وضمان تحقيق النمو. التسوق بالتكنولوجيا تسود التكنولوجيا الرقمية حاليًا جميع أوجه حياة المستهلكين ويشمل ذلك تسوق البقالة حيث يستخدم العديد من المستهلكين التكنولوجيا كجزء من تجربة التسوق. ويعني هذا في الأساس إمكان استخدام جهاز الكمبيوتر الشخصي في المنزل للبحث عن الصفقات والوصفات على المواقع الإلكترونية لمتاجر البقالة المحلية بل بات في إمكان المتسوقين الأكثر تطوراً تحميل القسائم وطباعتها من المواقع الإلكترونية لتجار التجزئة أو الشركات المُصنّعة، بينما قد يعمد المتسوقون فائقو التطور إلى تنزيل هذه القسائم على بطاقات التسوق الخاصة بهم، ويلج المتسوقون الأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية هذه الأدوات على هواتفهم الذكية". ويقول كارل نادر: في حين لا يزال يتعين على التسوق المرتكز على التكنولوجيا دخول قطاع التجزئة في الشرق الأوسط، يعتمد تُجار التجزئة بشكل أكبر تكنولوجيات جديدة لإدارة أعمالهم، ويشمل هذا إدخال قُدرات تحليل التجزئة لفهم سلوك المتسوقين بشكل أفضل والتعرُف على ما يفضلونه، فضلاً عن اعتماد عروضهم على هذا الأساس. وخلال الأعوام الأخيرة، طغى شكل جديد من تسوق البقالة إلكترونياً على هذا القطاع التقليدي. في الواقع، وعوضاً عن شراء المنتجات كاملة، يميل متسوقو البقالة إلكترونياً بشكل أكبر لشراء فئات معينة أو وحدات تخزينية مُحددة. وقالت نسبة لافتة من المستهلكين بلغت 54 بالمئة أنها تتسوق بعض فئات البقالة على الأقل باستخدام هذه الطريقة الإلكترونية الناشئة. وتُشير التجربة إلى انتشار هذا السلوك لدى مجموعة من الفئات العمرية لكن تبقى توقُعات شراء البقالة إلكترونياً غير مؤكدة على المدى الطويل فالسلع متدنية القيمة والسلع الهامشية والسلع الضخمة دائماً تستتبع تكاليف شحن. لكن بما أن تجار التجزئة الإلكترونية يبتكرون عروضًا لسلعهم ويوفرون خدمات لوجستية، فإنّ المسؤول التنفيذي الشجاع وحده هو القادر على إقصاء خيار شراء البقالة إلكترونياً باعتباره غير ملائم. الابتكار في السلعة وخلال الأعوام الخمس الماضية، ازدادت القدرة الإجمالية لقطاع بيع البقالة بالتجزئة في الولاياتالمتحدة بحوالي 150 مليون متر مربع، ولم يُضَف أي جزء أساسي منها إلى أشكال السوبرماركت التقليدية. والأهم هو المساحة الكبيرة التي أضافتها الأشكال الأصغر، لا سيما متاجر الحسومات الكبرى، فقد أضاف هذا النوع من الأعمال آلاف المتاجر خلال الأعوام الخمس الماضية، أما الشكل الثالث وهو سوق الأغذية الطازجة الجديدة المتطورة بدرجة كبيرة في قليل من المناطق الجغرافية فقط، كما أن هذا الشكل ينضوي على المزيد من التحديات لأن التعقيدات التشغيلية ترفع التكاليف، ويبدو أن النجاح والربحية يتطلبان إعادة تجهيز شاملة لنموذج التشغيل. وينطبق هذا على منطقة الشرق الأوسط، فتُجار التجزئة يدرسون إدخال أشكال السوبرماركت الكبرى في المناطق الأكثر كثافة، فضلاً عن الأشكال الأصغر لتلبية احتياجات المتسوقين السريعة والمختلفة، وأشكال الحسومات لتلبية احتياجات المتسوقين الباحثين عن القيمة. وفي جميع الحالات، يُعزز تجار التجزئة قدراتهم التحليلية بشكل أكبر لتأمين برامج العمل الأفضل لكل من هذه الأشكال: المُنتج المُناسب في المكان المُناسب بالسعر المُناسب في الوقت المُناسب وبالتكلفة المُناسبة. الابتكار في الترويج بالإضافة إلى أشكال المتاجر الجديدة، هناك ازدهار في الترويج من جانب تُجار التجزئة والشركات المُصنعة على حد سواء، فهذه الابتكارات مُصممة لتحقيق أمرين هما الحصول على المزيد من المتسوقين في المتجر، وجعلهم يُنفقون أكثر في سياق معين. نتيجةً لذلك، تُحسن الشركات المُصنعة وتُجار التجزئة بدرجة كبيرة استراتيجيات دخول السوق كما يجري تطبيق قدرات جديدة كوسيلة لإثراء تجربة التسوق. ومما لا شك فيه أن هذه القوى ستتسبب في إحداث تغييرات هيكلية في قطاع بيع البقالة بالتجزئة، فمن ناحية المُتسوقين، بات السلوك الأقرب إلى الانكماش أو التوفير راسخاً في الأذهان. وفي الوقت نفسه، سوف تجعل التكنولوجيا الرقمية "التسوق على أساس السعر" أسهل وأكثر ملاءمة، وسوف يستحوذ الإنترنت والأشكال الجديدة الأخرى بالتأكيد على جزء من حصة الطُرق التقليدية. لذلك، سوف يكون على تُجار بيع البقالة بالتجزئة إعادة تقييم "طريقة العمل" - سلسلة القيمة الاستراتيجية الشاملة – وفق بُعدَين. يُركز البُعد الأول على أهمية وضع إجراءات إستراتيجية متلائمة مع سوق المستهلكين المتطورين، بينما يعكس البُعد الثاني القُدرات الرئيسية التي سيتعين على تاجر التجزئة تعزيزها لتوفير سلسلة القيمة تلك، كما يُمكن أن تتضمن القُدرات المُميزة فهماً عميقاً للمتسوقين وتسوقاً رقمياً وجوالاً وخدمات تجزئة عبر قنوات متعددة ومُبتكرة.