كلما كبرتَ فضلت أن تكثر من التأمل والإنصات للآخرين، وتقلل من الحديث، كأنك بصمتك هذا ترسل رسالة لمن حولك عن أهمية الهدوء. أشياء كثيرة تتعلمها حين تنصت وحين تتأمل أولها وعيك بما حولك والتقاطك لكل التفاصيل الصغيرة التي كنت تنشغل عنها في زمن سابق، هذا الوعي الذي يزيد من فرصتك للتعلم ويزيد تجربتك إثراء. فمن مصادر المعرفة التعلم من الآخرين وانتقال المعلومة بشكل أفقي عن طريق الاحتكاك بمن حولك وتفاعلك معهم. والتفاعل لا يعني أن تخوض معاركهم ولا أن تتبنى مشاعرهم بل قد يعني أحيانا أن تنصت وتحاول أن تفهم. كان الحديث مع إحدى المبتعثات في مجال علمي دقيق، هذه الفتاة التي أعرفها جيدا أعرف قدراتها فهي متمكنة جيدا وملتزمة بعملها وتملك الخلفية اللغوية والعلمية التي تؤهلها لاكمال مشوارها التحصيلي، لكن طبيعة العمل تختلف عن طبيعة الدراسة، وحين تنتقل من بيئة إلى أخرى من المنطقي أن تشعر بالاختلاف، ومن الطبيعي أن تهتز ثقتك بنفسك حين تجد نفسك محاطا بزملاء تجربتهم الدراسية مختلفة.. تجدهم يملكون ادوات النقاش ولا يخجلون من التعبير عن أنفسهم في طرح الأسئلة وتقديم عملهم بالطريقة المناسبة. هذا ما شعرت به هذه الفتاة حين وجدت نفسها في بيئة علمية تختلف أدواتها ومعطياتها وجودتها عن ما تعودت عليه، وبدأ عقلها يمارس عملية مقارنة مجحفة أشعرتها بالخوف والرهبة.. بيني وبينكم قليل من الرهبة قد يساعدك في الالتزام والجدية لكنها عندما تزيد على حدها تصبح ذات أثر سلبي تمنعك من الوصول لأهدافك. اسأل نفسك حين تختار طريق التحصيل والبحث العلمي، ما هي أهدافك؟ هل أنت هنا لإبهار الآخرين والحصول على المديح منهم أم أنك هنا لتتعلم وتستفيد وتتطور؟ إذا اخترت الهدف الثاني، فإن عليك أن تتذكر أنه لا احد منا يملك السقف المعرفي، وانك لست في سباق تخرج منه لاهثا متعبا، بل أنت في رحلة معرفية يتفتح فيها ذهنك، يجب أن تتعرف من خلالها على نقاط ضعفك وما ينقصك وتحاول أن تستفيد وتطور نفسك وتتعلم. أنت هنا لتتعلم ولو كنت مكتمل المعرفة والعلم لما احتجت لأن تنخرط في برنامج دراسات عليا كي تبحث وتدرس وتفكر وتسأل. لست مثل الآخرين وماذا في ذلك؟ من قال إنك يجب أن تكون مثلهم؟ لاتعتقد أنك ذكي، عرف لنا الذكاء أولًا ومكتسباته ومعطياته.. كل ما تحتاجه كي تكمل مشوارك هو الجدية والالتزام والرغبة في أن تتعلم، ففكر جيدا ثم ضع قدميك في أول المشوار..