تعلّمك الدنيا أشياء كثيرة، وللدنيا طريقتها الخاصة في تعليمك، أحيانا تطرح أسئلة تجعلك تفكر بجدية باحثا عن إجابات، وأحيانا تحدثك بصوت رقيق حنون حتى تستمع وتنصت، وأحيانا تصرخ في وجهك أو تصفعك كفاً! وأنت تختار أن تتعلم او أن تواجه الكف بكفوف طائرة في الهواء او تصرخ متذمرا ولا أحد يسمعك أو تجلس تندب حظك. دروس الحياة كثيرة، وحماقاتك تماثلها في الكثرة! مع الأولى يفترض أن تتأمل ومع الثانية يفترض أن لا تكرر الحماقة أو لا تزيد من درجتها. في بدايات حياتي العملية كان الحماس والصوت العالي هما عنوان تلك المرحلة، وحين يجتمع الحماس مع الحماقة تجد نفسك مشغولا بمعارك وحروب لا علاقة لهما فيها، كنت أنصب نفسي محاميا ومتحدثا رسميا باسم كل من له مشكلة أو مطلب في مكان العمل! لا أدري هل "اللقافة" لها دور أم التفاعل الإنساني مع كل شخص يشعر بعدم الرضا كان يعميني؟ لكن كان يمكنني استثمار حماسي فيما هو أفضل، وهذا ما تعلمته بعد عدة تجارب. أفضل طريقة للتعايش في مكان العمل خاصة حين تكثر الأمور الجانبية التي قد تلهيك وتشغلك هي أن تضع حواجز حول عينيك بحيث لا تلتفت يمينا ولا يسارا وتركز في الهدف الموجود أمامك، وأن تصم أذنيك عن أحاديث وأخبار لا داعي لها، وأن لا تفتح فمك متحدثاً إلا فيما يخصك. ليس بالضرورة أن تمشي منفوش الريش مدعيا أنك مركز قوة، وليس بالضرورة أن تصرخ متشكيا من كل شيء ومنتقدا كل ما حولك، ولا أن تبدأ كل جملة بكلمة "أنا" وتنهيها بكلمة "أنا" وكأنك الوحيد الذي يعرف. فقط ركز على هدفك واسعَ لتحقيقه.. لا يهمك من يجري هنا أو يتسلق هناك أو حتى من ادعى أنه وصل. ستجد أنك هادئ البال، يصعب استفزازك، وستجد أن طاقتك تحولت لطاقة منتجة وليست طاقة مهدرة مشغولة بما يفعله الآخرون. أخطاؤنا كثيرة وكذلك أخطاء من حولنا والرضا الكامل غاية لا تدرك، فالصورة التي أمامك أو أنت جزء منها هي صورة لم تكتمل بعد، فأنت لا تمثل الكمال ولا السقف الأخلاقي ولا السقف العلمي ولا العملي.. وحين تعرف وتدرك هذه الأشياء تتغير أولوياتك، وتركز على أمور أهم أولها الجودة في الأداء وتطوير الذات، وتعرف أن الحقيقة ثلاثية الأبعاد وتحتاج لرؤيتها من أكثر من زاوية وأنك لا تحتكر الرأي الوحيد الصحيح، ولست فقط صاحب المعرفة أو الخبرة..