لا أحب الجمل القطعية، تصيبني بالحساسية احيانا، لا أعرف لماذا؟ هل هو السن والتجربة التي تجعلك تعرف كم كنت أحمق حين قلت يوما :" مستحيل أو لا يمكن أوعلى جثتي كما يقولون في الأفلام"، او حين رددت بصوت عال" إلا أنا لا يمكنني أن أقوم بذلك" في محاولة لتسفيه تصرف قام به أحدهم أو في محاولة لإثبات أنك مختلف، رغم أنك في النهاية تشبه الآخرين أكثر مما تشبه نفسك التي تظن أنك تعرفها جيدا. لو لاحظت نفسك لوجدت أنك تتغير بمرور الزمن، ففي المراهقة كنت تريد ان تقلد كل مشهور كي تكون ضمن "الجماعة الكوول"، في مرحلة الشباب كنت تريد أن تندمج إلى حد ما، حين تكبر قليلا تنسى فكرة الاندماج والتهجين وتنشغل بنفسك وما بها وما فيها وما يهمها، حين تشيخ ويشيخ طبعك معك لا تهمك هذه الأشياء كثيرا. أنت تشغلك آراؤك، في صغرك تجد أن الاعتراض هو الطريقة الوحيدة كي تتميز أو كي يعرفك الآخرون، في شبابك قد تفضل الصراخ والصوت العالي كي تلفت النظر، وحين تكبر قد تبحث عن الحجة والبرهان، قد تفضل أن تسمع بدلا من أن تهذي بكلام ليس له معنى، قد تتعلم أن تحتفظ بآرائك لنفسك بدلا من أن تقولها في الوقت الخطأ في المكان الخطأ للشخص الخطأ، قد تتعلم أن اختلاف الآراء والتوجهات يعطي رونقا للحياة وطعما مختلفا، قد تتعلم أن الهدف من أي حوار ليس إقناع الآخر بوجهة نظرك بقدر ما هو إيجاد نقطة تلتقي بها مع هذا الآخر. تعلمك الدنيا والتجربة انك لا تملك الحق في مصادرة آراء الآخرين، ولا تسفيهها ، تعلمك الدنيا أن عنادك ومكابرتك احيانا يحرمانك من تعلم الكثير ممن حولك. تعلمك الدنيا أن لا تحصر نفسك في عالم من اللونين الأسود والأبيض وأن تكتشف جمال الألوان الأخرى، تعلمك الدنيا أن تحاول أن تتنسم هواء نقيا تشاركه الآخرين بدلا من أن تشغل نفسك بمحاربتهم، تعلمك الدنيا أشياء كثيرة، قد تكون من هؤلاء الأذكياء الذين يحبون المعرفة وقد تكون من هؤلاء الذين يحصرون أنفسهم في إطار ضيق يحرمهم من التواصل مع المختلف مع الآخر. أنت وحدك تختار وأنت وحدك تتحمل نتائج اختيارك.