تشير الأبحاث إلى وجود حوالي 50 مليون حالة تأخر في الإنجاب حول العالم كما وجد أنه بين كل (15) حالة زواج هناك حالة واحدة تقريبا لا يرزق فيها الزوجان بأطفال بسبب إحدى مشاكل العقم، حيث يكون الرجل مسؤولا بمفرده عن 25% من هذه الحالات ويشارك في 25% أخرى بأسباب مشتركة مع الزوجة. ومن أكثر مسببات تأخر الإنجاب لدى الرجل هو الإصابة بدوالي الحبل المنوي والذي كان ولا يزال محور جدل طويل بين الأطباء بين مشكك ومؤيد في علاقتها بالإنجاب وان كانت أكثر الدراسات المحكمة تشير الى وجود علاقة قوية بين الدوالي وتأثيرها السلبي على أداء الخصية عند الرجل ومن ثم ضعف السائل المنوي وبالتالي تأخر الإنجاب. وتوصي أكثر الجمعيات العلمية المختصة في هذا المجال ومنها جمعية جراحي المسالك الأمريكية وكذلك الجمعية الأوروبية والكندية على أن التدخل الطبي لعلاج الدوالي عند تأخر الإنجاب يكون مناسبا في حالة تحقق بعض الشروط والتي يمكن تلخيصها كالتالي: 1- تأخر في الإنجاب لمده عام بعد الزواج في حالة وجود علاقة زوجية غير منقطعة. 2- وجود خلل بتحليل السائل المنوي. 3- وجود دوالٍ واضحة إكلينيكيا وذلك من خلال الفحص السريري بواسطة الطبيب المتخصص. ماهية الدوالي: تعرف الدوالي على أنها توسع في الأوردة فوق أو حول الخصية مع وجود ارتجاع للدم المؤكسد فيها للخصية. وتعتبر دوالي الخصية من أكثر الأمراض الشائعة عند الرجال الذين يعانون من مشاكل في الإنجاب سواء أكانت المشكلة الإنجابية من بداية الزواج أو في مراحل متقدمة منه. ومع أن الدوالي قد توجد في حوالي 15% من الرجال الأصحاء المنجبين إلا أن الإحصاءات الطبية تشير إلى شيوع الدوالي في 35% من الرجال المصابين بالعقم الأولي و80% منهم الذين يعانون من عقم ثانوي بعد إنجابهم طفلا واحدا على الأقل. كيف تؤثر الدوالي على خصوبة الرجال: توجد عدد نظريات لتفسير هذا الأثر على خصوبة الرجل أكثرها قبولا هو ارتجاع الدم إلى الخصية ورفع درجة الحرارة فيها ومن المعروف أن وجود الخصيتين بكيس الصفن الخارجي يوفر لهما درجة الحرارة المثلى الأقل من حرارة الجسم لصنع الحيوان المنوي، ومن هنا تؤدى الدوالي إلى نقص عدد الحيوانات المنوية وضعف حركتها وزيادة نسبة التشوهات فيها ومن ثم انخفاض قدرتها على تلقيح البويضة، كما قد تؤدي الدوالي إلى زيادة تكسر الحمض النووي (DNA) للحيوان المنوي، وقد تؤدى الدوالي أيضا إلى صغر حجم الخصية واختلال عملية صنع الحيوانات المنوية فيها ومؤخرا أثبتت الأبحاث العلمية على أن الدوالي أيضا قد تؤدي إلى حدوث نقص في هرمون الذكورة (التيستوستيرون) وزيادة الضعف الجنسي لدى الرجل. تزيد الدوالي من تشوهات الحيوانات المنوية تشخيص الدوالي: لا زال الفحص السريري عن طريق الطبيب المتخصص هو أهم وسائل تشخيص دوالي الخصية وعلى أساس هذا الفحص تقسم الدوالي إلى صغيرة ومتوسطة وكبيرة وكلها يمكن أن تؤثر تأثيرا سلبيا على خصوبة الرجال. أما عن الدوالي الخفية فهذا اسم يطلق على بعض الحالات التي لايحسها الطبيب أو قد يحسها ولكن يستطيع فقط أن يرصد ارتجاع الدم فيها عن طريق الموجات الصوتية أو الأشعة الملونة على وريد الخصية أو دراسة ارتفاع درجة حرارة الخصية بجهاز مخصص لذلك، وحتى الآن لا يوجد إجماع تام حول أهمية هذه الدوالي الخفية أو وجوب علاجها جراحيا، وتشير أكثر الأبحاث المحكمة إلى أن استعمال الموجات الصوتية لتشخيص الدوالي لا يضيف كثيرا إلى الخبرة الإكلينيكية إلا في حالات قليلة حينما يشك الطبيب في وجود الدوالي ويرد تأكيد نتيجة الفحص السريري. الدوالي.... مشكلة وأكثر من حل: إلى هذه اللحظة لايوجد علاج دوائي لحل مشكلة دوالي الحبل المنوي إلا انه في السنوات الأخيرة حدثت طفرة في الوسائل العلاجية التداخلية لدوالي الخصية حتى أصبح علاج مثل هذه الحالات سهلا وأكثر أمانا للمريض ولا يتطلب المكوث في المستشفى سوى ساعات. يكمن الغرض من التدخل الطبي في إيقاف تدفق الدم الراجع للخصية (وهو الدم المؤكسد الضار بإنتاج الحيامن) بإقفال هذه الأوردة المتمددة إما جراحيا أو إشعاعيا بالقسطرة. وتؤدي الجراحة إلى منع ارتجاع الدم إلى الخصية وعدم رجوع الدوالي في 95% من الحالات إجمالا، أما بالنسبة للخصوبة فيحدث تحسن في تحليل المني في 70% إلى 80% من الحالات وتكون نسبة الحمل بمشيئة الله في حوالي 50% إلى 60% خلال السنتين الأولى والثانية بعد العملية وتعتبر نسبة مرتفعة مقارنة بالوسائل الأخرى المتبعة في علاج عقم الرجال, ولايقتصر التحسن على النواحي الإنجابية للرجل بل أشارت الدراسات الحديثة أيضا إلى تحسن في مستويات هرمون الذكورة بعد ربط الدوالي في حوالي 70% من الحالات وبالتالي تحسن الأداء الجنسي. العلاج الجراحي: 1- الطريقة التقليدية: في الماضي كان يتم ربط هذه الدوالي عن طريق كيس الخصية ولكن عاب هذه الوسيلة حدوث ضمور للخصية في بعض الأحوال وتشعب الأوردة مما أدى إلى عدم القدرة على ربطها كلها ورجوع الدوالي، وحاليا توجد عدة طرق تقليدية للربط الجراحي للدوالي ويعتبر ربط الدوالي في أسفل البطن في القناة الإربية أو خلف غشاء البريتون من أكثر الطرق شيوعا ويتطلب عمل شق جراحي في حدود 5 سم مع فصل عضلات جدار البطن للوصول للحبل المنوي ومن ثم ربط الأوردة المصابة وقطعها. وقد يصاحب هذه الطرق ألم في منطقة الجرح أكثر من الطرق الأخرى وفرصة حدوث قيلة مائية في الخصية أو رجوع في الدوالي بنسبة أكبر من غيرها من الطرق. 2- المنظار البطني: الأسلوب الجراحي الآخر هو ربط الدوالي عن طريق المنظار البطني، ومع أن فترة النقاهة في هذا الأسلوب قصيرة إلا أن هذه التقنية قد يصاحبها فرص أكبر لحدوث القيلة المائية ورجوع الدوالي مستقبلا بالإضافة إلى خطر إصابة أعضاء البطن الداخلية مثل الأمعاء أثناء الجراحة. 3- الربط بالمجهر (الميكروسكوب): آخر التطورات في جراحة الدوالي هو استعمال الميكروسكوب الجراحي لربط الأوردة وذلك للتمكن من ربط كل الأوردة حتى الصغيرة جدا منها مع الحفاظ على شريان الخصية الملاصق لها والحفاظ على القنوات الليمفاوية الدقيقة لتفادي تكوّن قيلة مائية حول الخصية. هذه الطريقة والتي يمكن أن تعمل بتخدير كلي اونصفي اوموضعي تتطلب شقا جراحيا في حدود 2سم بدون فصل في العضلات مما يفيد في تقليل الألم المصاحب بعد العملية، وكذلك تقليل فرص رجوع الدوالي بعد الربط إلى اقل من 1% كما أن احتمالية حدوث مضاعفات جرائها لايزيد عن 1% ويمكن للمريض مغادرة المستشفى بعد ساعات قليلة من الجراحة في نفس اليوم. العلاج بالقسطرة الإشعاعية: أدخلت القسطرة في علاج الدوالي منذ 3 عقود من الزمن ومع أن استعمالها يتطلب تخديرا موضعيا دون الحاجة إلى فترة استشفاء إلا أن نسبة رجوع الدوالي قد تصل بين 15- 25% من الحالات كما أن الوصول إلى دوالي الجانب الأيمن قد تصاحبه صعوبات حتى في يد المتخصص مع احتمالية مضاعفات تصل إلى 30%. وقد أوضحت الدراسات المقارنة بين علاج الدوالي بتقنية الربط المجهري وبين العلاج بالربط التقليدي أو العلاج بالقسطرة الإشعاعية أفضلية واضحة للعلاج المجهري ليس فقط من ناحية تحسن مستويات السائل المنوي بل حتى في تحسن فرص الحمل بإذن الله. يمكن الميكروسكوب من المحافظة على الشرايين والأوعية اللمفاوية للحبل المنوي